سوريا... بين الثامن من آذار 1963 والثامن من كانون أول 2024

 

 

 

كل الذين تضرروا من حكم آل الأسد الذي استمر أكثر من نصف قرن، فرحوا للسقوط.

فمنذ تولي الفريق طيار حافظ الأسد مقاليد الحكم، بعد انقلابه على رفاقه من قادة الحزب والنظام. أدخل الدولة السورية في دوامة صراعٍ داخليٍ وإقليمي، كلفة استمرار نظامه هي أعلى كلفة في التاريخ.

كان كل يوم من الأيام العشرين ألفاً، يكلف الشعب السوري قتلى وجرحى ومعتقلين بالجملة والمفرق، وحين يصل عديد القتلى إلى ما فوق مئات الألوف، والجرحى والمعاقين أضعافهم والمعتقلين أكثر، والمهجرين داخل البلد وخارجه بالملايين، فذلك يعني أن كل الشعب تضرر بما في ذلك من كانوا مع النظام لاعتبارات مصلحية، فمنهم من انقلب النظام عليه فأوسعه تنكيلاً، ومنهم من دفع ثمن انضمامه إليه في حروبه الداخلية وكان الثمن باهظاً كذلك.

حين يسقط نظام فعل كل هذا بشعبه، مضافاً إليه ما فعل في لبنان، وما حاول أن يفعل في غيره، فالفرحة لابد أن تكون شاملة، ولكن على النحو الذي لا يتبقى فيها متسعٌ للتفكير فيما سيحدث بعد السقوط، ومن هنا يبدأ القلق، ذلك أن هدم مبنى عملاق بعد تصدع أساساته، استغرق أياماً قليلة، بينما إعادة بناء المبنى كله على نحو مختلف تماماً عن المبنى الذي هدم، لابد وأن يستغرق وقتاً طويلاً، فمثلما كان للنظام الاستبدادي معارضين امتلأت السجون والمقابر بهم، فمن جهة أخرى فإن لإعادة البناء ستجد من يقاومها ويضع العراقيل في طريقها.

قوة الحياة التي تفجرت في نفوس السوريين إن أحسنت إدارتها فسوف تتغلب على المعوقات، وذلك لا يتوقف على الإرادة والرغبة والحاجة فقط، بل على الصيغة التي سيختارها الشعب السوري ويرعاها وينفذها من أجل أن يحكم نفسه بنفسه، وفي هذه الحالة لابد من الأخذ بالاعتبار وبصورة أساسية حاجات كل مكونات المجتمع السوري وهي كثيرة ومتعددة، وذلك دون إغفال دور المتربصين بالبلد الذين يريدونه ضعيفاً ومنشغلاً على الدوام في صراع داخلي، له من يذكي ناره من داخل البلد وخارجه.

ستكون مرحلة ما بعد سقوط الأسد صعبةً ومليئة بالتحديات، إلا أن الوصفة المضمونة للخروج منها تعتمد أولاً وأخيراً على الصيغة الجديدة التي ستنتج بعد السقوط.

كانت القوى الخارجية كالروس والإيرانيين والأمريكيين والأتراك وغيرهم، يعملون على إنتاج صيغة تتلاءم مع أجنداتهم، إلا أن محاولاتهم في ذلك بائت بالفشل، وأدّت إلى نتيجة عكسية، بحيث أضحى البلد مسرحاً لتقاسم نفوذٍ مهلك للسوريين، ولكل من أذكى النار وحاول استثمارها لمصلحته الخاصة.

في الثامن من آذار بدأ حكم البعث في سوريا، وفي الثامن من كانون أول انتهى بسقوطه وبين "الثامنين" وبينهما واحد وستون سنة حكم البعث فيها سوريا وكان قد بدأ حزباً ثورياً قومياً رفع شعار الوحدة والحرية والاشتراكية، لينتهي إلى صيغة وراثية... ملكية المضمون وجمهورية الشكل. وضعٌ كهذا استمر أكثر من نصف قرن، إلا أن أصحابه كانوا يخشون السقوط كل يوم، وهذا ما حدث أخيراً.

 

 

 

Loading...