لا أعلم لماذا عادت بي الذاكرة 21 عاماً إلى الوراء أي إلى عام 2003 عندما رأيت رأس تمثال حافظ الأسد يتدحرج في شوارع السويداء قبل عدة أيام، وقتها تذكرت مشهد قيام عدد من جنود المارينز الأميركي بإسقاط تمثال صدام حسين المنصوب في ساحة الفردوس وسط بغداد، في ذلك الوقت أي عندما سقط نظام صدام حسين فرح الملايين وكنت واحداً منهم لأن صدام حسين أدخل الأمة العربية باحتلاله الكويت المنعطف الأخطر في تاريخها المعاصر، وقتها لم نتوقف عند احتمالات ما سينتج عن مثل هذا التطور المهم والاستراتيجي، ولم نتوقع أن تملأ إيران ومليشياتها الفراغ الكبير الذي تركه نظام صدام حسين وأن يصبح العراق ساحة للصراع الطائفي البغيض ومقصداً للقوى الإرهابية وتحديداً القاعدة وبعدها داعش وبعدها جبهة النصرة ، وبات البرميل العراقي المتفجر تهديداً للأمن الإقليمي وبخاصة لنا نحن في الأردن حيث شكلت فوضى الوضع العراقي تحدياً قوياً للدولة الأردنية واختباراً قاسياً اجتازته الدولة الأردنية بنجاح واقتدار بفضل حنكة جلالة الملك وثقة العالم به وبالدولة الأردنية ودورها الإقليمي الذي يعكس وضعها الجيوسياسي المهم للغاية .
لا أريد في هذا المقال عقد مقارنة بين بناء الدولة العراقية الصلب والتي تسلمها صدام حسين عام 1979 وهي الدولة الممتدة منذ عام 1920 وكانت البنى الأساسية لها في ظل الحكم الملكي الهاشمي صلبة لدرجة كبيرة قياساً بالدولة السورية التي تأسست في الوقت نفسه تقريباً لكنها كانت عرضة لحالة من عدم الاستقرار الملفت (جرت فيها تسع انقلابات عسكرية كان أولها انقلاب حسني الزعيم في 30 مارس عام 1949 وآخرها انقلاب حافظ الأسد في 16 نوفمبر من عام 1970).
في الوضع السوري الحالي فقد حسم الأمر وحصل الزلزال الأكبر بعد زلزال سقوط نظام صدام حسين وسقط نظام آل الاسد الذي يحكم سوريا منذ أكثر من نصف قرن النظام بصورة تدلل أن هذا النظام لم يكن قوياً ومرعباً وقاسياً إلا على شعبه، ومن اليوم فصاعداً وبعد أن خرج السجناء من أقبية سجونه المرعبة سنسمع عن قصص مرعبة ووحشية تتعفف العصابات القذرة عن القيام بها
سقوط النظام السوري يعني سقوط الدولة السورية بكل أسف ونتمنى أن لا يحدث هذا الأمر ، لأن الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي حكم من عام 1970 حتى عام 2000 بني دولة للنظام حيث كانت الدولة أداة في يد النظام السياسي وليس العكس وعندما استلم الحكم الرئيس بشار الأسد وحاول تعديل الوضع واجه كوابح كثيرة من قبل مراكز القوى الأساسية في النظام وبخاصة في الجيش والأجهزة الامنية التي لا تجيد إلا القمع والتعذيب وتخزين البشر وإذابة أجسامهم " بماء النار – الأسيد " والتي كانت بمثابة دولة داخل دولة واستسلم لإرادة تلك القوى ومنها والدته أنيسة مخلوف التي كانت أكثر المؤثرين على قراراته باتجاه الإبقاء على الدولة الدموية غير المتسامحة والسلطوية .
الآن وبعد أن سقط نظام بشار الأسد فإن ما يهمنا في الأردن أن تبقى الدولة السورية ومؤسساتها ووزراتها فاعلة تقوم بدورها في خدمة الأشقاء في سوريا أما النظام (نظام الكبتغون) فقد ولى إلى غير رجعة بعد أن تسبب وعلى مدى نصف قرن في قتل وتعذيب وسجن ملايين السوريين واللبنانيين والفلسطينيين وعطل مسيرة الاستقرار والتنمية في المنطقة واعتاش على أزماتها التي كان يسببها ويصنعها.
نحن في الأردن نملك سجلاً ناصعاً في مسألة عدم التدخل في شؤون الدول الشقيقة والجوار الإقليمي ولذلك تحمل الأردن وعلى مدى عقود نتائج رماد الصراعات في الإقليم وبصبر كبير وأخلاقي وفي الحالة السورية الجديدة فإن هذا التحدي يتطلب من الدولة الأردنية ولحماية مصالحها العمل على ما يلي:
أولاً: تسريع التوافق الدولي والإقليمي بشأن الوضع السوري للوصول إلى تسوية تعيد إنتاج نظام يعمل على صناعة دولة ديمقراطية تراعي التنوع الإثني والطائفي والقومي وتمنع عودة " نظام الرجل الواحد “.
ثانياً: ضرورة الإصرار على إيجاد حلول سريعة للإبقاء على انسيابية الحركة بين الأردن وسوريا عبر المعابر الحدودية لاعتبارات إنسانية واقتصادية متشابكة ومن الصعب تجاهلها.