لا تخفي إسرائيل سعادتها بسقوط النظام السوري، ولديها من الأسباب ما يبرر هذه السعادة، ولكنها سعادة مؤقتة، وربما وهمية، هكذا كانت سعادتها بالانقلاب الذي حصل في قطاع غزة، كانت إسرائيل سعيدةً بذلك.
لم تدم سعادتها طويلاً إذ سرعان ما تحول قطاع غزة إلى كابوسٍ يقض مضاجع كل إسرائيلي، وهكذا سيكون في سوريا، إذا استقر النظام في سوريا فإنه لن ينسى أن هناك أرضٌ سوريةٌ محتلة، وإذا تحولت سوريا إلى دولةٍ فاشلةٍ فستنشأ عشرات الميليشيات والتي سيكون حزب الله اللبناني برداً وسلاماً على إسرائيل مقارنة معها.
التغيير في سوريا ليس حلاً، لأن المشكلة ليست هناك، التغيير حيث تكون المشكلة، المشكلة كانت ولا تزال وستبقى في السلوك الإسرائيلي، احتلال وعدوان وهيمنة واستعلاء وعنصرية، هنا المشكلة وهنا الحل، هنا الأزمة وهنا الاستعصاء، والتغيير يبدأ بتغيير عقلية الإسرائيلي وكل ما عداه لا يغير من عداء أمتنا لإسرائيل. التغيير هو انهاء الاحتلال، إنهاء العنصرية، الاعتراف بالآخر وحقوقه الفردية والجماعية، إنهاء العدوان، وكل ما عدى ذلك لا يشكل تغييراً ذي مغزى.
من هو النظام الذي سيأتي في سوريا ويقر بالاحتلال للأرض السورية؟
من هو النظام الذي حتى لو رغب يستطيع ذلك؟
من هو النظام الذي يقبل أن يبقى تحت التهديد الاسرائيلي؟
ليس غريباً أن يقول الجولاني في اليوم الأول ولدى دخوله المسجد الأموي في دمشق أنه يتطلع ليدخل المسجد الأقصى في القدس محرراً، وسواء صدق أو لم يصدق، يعني ما يقول أو لا يعني، فلن يستطيع إلا قول هذا، لأنه في البداية والنهاية لا يستطيع أن يكون إلا بما يراه شعبه.
ربما سوريا اليوم أضعف، ربما محور المقاومة أيضاً أكثر إرباكا، وربما حماس تعاني مشكلات استراتيجية، ولكن هذا كله مؤقت جداً، وقليل التأثير جداً، وقابل لمتغيرات دراماتيكية محسوبة وغير محسوبة كما هو حال الشرق دوماً، وستعاد الأمور إلى المربع الأول من الصراع مع كل مرحلة ومع كل تغير ومع كل وهم. الشيء الوحيد الذي يحدث فارقاً ويمكن أن يحدث تأثيراً استراتيجياً هو التغير في العقل الإسرائيلي وفي الممارسة الإسرائيلية، بدون ذلك لا معنى لأي تغيير وإن بدى لأول وهلة لصالح الإسرائيلي.
قال لي أحد الأصدقاء وهو صحافي إسرائيلي على اطلاع واسع "لا أستطيع فهم ما تريده إسرائيل، لا أستطيع فهم شيء، يعتقدون أن قوتهم ضمانة لوجودهم وهذا غير صحيح، لا أفهم ماذا يريدون".