بعد ثماني سنوات من التهرب، وافتعال الانشغال، مَثُلَ أخيراً أمام هيئة المحكمة بتهمة خيانة الأمانة، وإساءة الائتمان، والاحتيال والفساد، أمّا التهمة الأكثر ثبوتاً عليه، ولم ترد في لائحة الاتهام، فهي الكذب، وإطالة أمد الحرب.
ما نُشر من مصادر إسرائيلية عن مرافعته الطويلة أمام قضاة المحكمة، رسم صورةً مهتزةً لرجلٍ يدّعي القوة الخارقة، كان التوسل هو السمة المميزة لمرافعته، مثل قوله إنه لا ينام وهو ساهر على مصالح دولة إسرائيل، وأنه من شدة الانشغال لا يجد وقتاً لإكمال سيجارة وكأنه يقول "ارحموني".
نتنياهو في كل ما يثار حوله من تساؤلات يصطنع لنفسه متراساً سياسياً يختبئ وراءه، فهو يحارب أمريكا ولية نعمة إسرائيل وينتصر عليها كما يقول، وهو يدافع عن إسرائيل الحقيقية أمام خصومه المزيفين.
ويطلب من الجمهور أن يدخل القفص معه لأن التهمة في الأساس موجهة إليهم، مع أن أحداً منهم لم ينل شيئاً من الهدايا الثمينة التي يحاكم بفعل حصوله عليها لقاء خدماتٍ يقدمها.
اكتملت الحلقات حول نتنياهو، فها هو يمثل أمام القضاء الإسرائيلي بتهم تهد الجبال، بعد أن لم يمثل أمام القضاء الدولي الذي أدانه بقيادة حرب إبادة، واستدعاءه للتحقيق والمحاكمة والسجن من قبل محكمة الجنايات.
لا نستطيع اعتبار مثوله أمام القضاء الإسرائيلي شهادةً لنزاهة القضاء وجودته، قد يكون كذلك بالنسبة لسكان إسرائيل من اليهود، إلا أن الحقيقة الدامغة لهذا القضاء هي أنه في شأن الفلسطينيين عنصريٌ حتى النخاع، فهو يحمي الاعتقال الإداري الذي طال ملايين الفلسطينيين على مدى أكثر من نصف قرن من احتلال العام 1967، ويشرع للاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين واستيطان أراضيهم، ويغطي ديموقراطيةً عنصريةً لدولة تحتل شعباً آخر بقوة السلاح، لذا فهو قضاء لا يملك مصداقية أن يكون نزيهاً.
لا أحد يعرف هل ستتغلب بلاغة نتنياهو الخطابية على المحكمة فيخرج من التهم الكبيرة كالشعرة من العجين؟ أم ستلحق به عقوبة أقلها سبع سنوات من السجن على أقل واحدة منها؟
لا جواب نستطيع استنتاجه وأمامنا نتنياهو ومواهبه الخطابية، والقضاء الإسرائيلي بكل ما عليه.