ولّى ابن الطاغية

 

 

 

سجّلت الثّورة السلميّة أروع الصور الانسانية في نضالها لمدّة ستة أشهر من أجل التغيير الديمقراطي. لكنّ القوى الدولية الداعمة لنظام الاستبداد لم ترغب وقتذاك بسقوط الطاغية. بالأمس فقط، قرّرت واشنطن وتل أبيب وأنقرة ضرورة التخلص منه، فمَن يراجع أحداث السنوات الثلاثة عشر الماضية يدرك حجم الاستثمارات السياسية والعسكرية للقوى الدولية والإقليمية في جغرافية سوريا وعلى حساب شعبها.

ولّى أخيراً ابن الطاغية بقرار دولي وتنفّس السوريّون هواء الحرّيّة بعد نصف قرن ونيّف.

لهذا ينقل الإعلام صورة الفرحة المنتظرة عند الناس، لكن واقعية الشعب السوري لم تقل "إننا انتصرنا" بل قالت "لقد تحرّرنا". هكذا برهنت التجربة أن الشعب السوري يتماثل مع كافة الشعوب في الصبر والقدرة على البقاء والإصرار على التمسك بالحق المشروع بانتظار لحظة هزيمة أعداء الحياة والحرّيّة.

من موقع فلسطيني متابع لنضال السوريين واللبنانيين لا أعتقد أنّ عبارة "سقوط نظام الأسد" في سوريا كافية لتوصيف المشهد، حيث سقطت أيضاً "منظومة الأسد" الفلسطينية التي شكّلها ورعاها من أجل مصادرة القرار الوطني فضلاً عن إنكار الشرعية الفلسطينية.

 كما سقطت أيضاً "منظومة الأسد" اللبنانية التي ساعدته على انتهاك سيادة لبنان وفرض الوصاية على شعبه لثلاثة عقود.

إنّ سقوط "نظام" و"منظومتا عائلة الأسد" في بلاد الشام هو ما يفسّر احتفال غالبية اللبنانيين وكذلك سعادة الفلسطينيين بهذا الحدث.

نعم! لقد أسقطت واشنطن النظام الذي أسقطه الشعب السوري مراراً وتكراراً وناضل ضدّه الشعبين الفلسطيني واللبناني على مدار نصف قرن، فلا فضل لواشنطن ولا لأنقرة في إسقاطه النهائي الآن، بل الفضل للدماء والعذابات والتضحيات التي قدّمها الشعب السوري ومعه العديد من اللبنانيين والفلسطينيين.

قفزة إسرائيلية

بعد يومٍ من هروب الطاغية، كَشَفَ نتنياهو عن النزعة التوسعية لدولة إسرائيل واحتلّ أراضي جديدة لضمّها للجولان "الى الأبد" كما قال، و استلم أيضاً هدية من روسيا وهي عبارة عن موقعين استراتيجيين في ريف درعا للمراقبة والتجسّس. لذا، من المنطقي ان يطالب نتنياهو لاحقاً باحتلال الأرض الفاصلة بين الجولان ودرعا!!  فضلاً عما ينفذه الآن من تدمير منهجي للبنى والمنشآت العسكرية السورية. لقد صاغ نتنياهو عدوانيّته المفرطة بعبارة خاطب بها المنطقة من دون استثناء عندما أعلن أنّ إسرائيل "هي القوة المركزية في الشرق الأوسط".

هذا بينما تدعم واشنطن الأفعال الاسرائيلية في سوريا بعد مباركتها للجرائم المرتكبة في لبنان وفلسطين.

إن السباق المحموم بين نتنياهو وأردوغان على سوريا يؤسس لمخاطر جمّة تصيب المجتمع السوري وقواه المتنوعة، كما تمسّ جوهر خياراته الوطنية المستقبلية وهذا ما يفاقم التحديات أمام شعب منهك وفقير لكنه مصمّم على العيش بحريّة وكرامة.

أين المشروع العربي؟

يُمكن تنسيب غياب الموقف العربي إلى تباين حاد في سياسات الدول وعجزها عن إنتاج موقف مشترك من النظام وبديله الحالي ما جعل تركيا واسرائيل تديران دفّة الأحداث برعاية أمريكية حتى اليوم. وإلى أن يستطيع العرب بلورة موقف مشترك.

مع ذلك، لا بد من السؤال عن موقف الرياض بوزنها الاقليمي والدولي لمعرفة كيفية التفاعل مع القوى السياسية السورية التي نسجت علاقة ايجابية معها وكذلك مع القوى المجتمعية السورية التي تتطلّع إلى دور سعودي لموازنة الأطراف الأخرى، وهذا أمر لا يمكن تجاوزه مهما كانت معادلة الحالة السورية صعبة ومعقّدة.

إنّ المهمة الكبرى أمام السوريين اليوم، هي حماية قرارهم السيادي وهذا ليس بالأمر السّهل.

 

 

 

 

Loading...