شهدت منطقتنا العربية تطوراتٍ عاصفة، حولتها إلى ملعبٍ تتصارع على أرضه كل أجندات الكون.
بفعل ذلك.. دُمّرت كيانات، وتغيرت نظم وزعامات، وقوّضت حدود وسيادات، حتى ظهرت منطقتنا بين كل مناطق العالم الأكثر ضياعاً وغموضاً في المصائر، وتكرست حالة كان فيها أهل المنطقة هم الغائب الوحيد عن ملعبها، ينتظرون وهم ينزفون، خلاصات صراعات وتنافسات الآخرين، حتى سادت المصطلحات التي تصف هذه الحالة بالعصر الإيراني أو العصر التركي، أو العصر الإسرائيلي، وفوق كل هذه المصطلحات العصر الأمريكي.
أحد أهم المؤثرات لوصولنا هذه الحالة، استسهال الكثير من النظم والقوى والاستعانة بالخارج لعلها تحمي نفسها أو تحقق أجنداتها، وكانت النتيجة أن فتحت الأبواب على مصاريعها لتدخل خارجي اعتبر نفسه شرعياً بفعل استدعاءه من قبل الحكام والقوى المتصارعة على الحكم.
خسائرنا كعرب، نظماً ودولاً ومجتمعات، كانت فادحة يصعب حصرها، كنزيف دمٍ لا سيطرة عليه.
ما يعمّق المأساة.. أن المخرج من هذه الحالة متوفرٌ ومتاح، إلا أنه مهملٌ ومستبعد، بدايته أن يتمكن الشعب في كل كيانٍ عربي من أن يكون أساس قوة البلد، ومنتج نظام الحكم، وأن يتوقف كل بلد عن تصدير أزماته إلى البلد المجاور، وأن يتوقف نهج الاستقواء بقوىً خارجية لحسم الصراع على النفوذ والحكم.
تتميز منطقتنا عن غيرها من مناطق العالم، بأن شعوبها هي الأكثر تجانساً والأكثر جاهزية موضوعية للتعاون والتكامل، بديلاً عن التصارع والتنابذ، وهذا ليس تصوراً خيالياً أو رغائبياً أو مثالياً، لأن سنده في الواقع بكل مكوناته العملية حقيقي تماماً، إلا أن العلة التي تجعله يبدو مستحيلاً، هي تغييب الشعوب عن دورها البديهي في صياغة السياسيات الداخلية والخارجية، لمصلحة فئات قليلة تمكنت من اغتصاب السلطة والاستئثار بها.