توقف الكثير من المراقبين بكثير من التأمل عند المقاطع التي انتشرت لمجموعات فلسطينية تحت مسميات شكلية الهدف، وعميقة المعنى والنوايا، تبايع فيها الإمام الخامنئي، وهذه ظاهرة ملفتة ومصطنعة، لكن أهدافها خبيثة ومدمرة.
صحيح أنّ أحداً لم يُفاجأ كثيراً بحكم المتابعة والاطلاع عن كثب على الملف الفلسطيني ومجرياته، وما يرتبط منها بشكل مباشر بالشأن المتفاعل في لبنان والمنطقة مؤخراً، غير أنّ تساؤلاً لا بدّ منه، عن التوقيت الذي اشتدت فيه هذه السلوكيات في المشهد الفلسطيني وما يرتبط بها من معطيات ومؤشرات بالغة الخطورة، اشتدت فيها حمى التدخل الإيراني التخريبي على القضية الفلسطينية.
بالفعل فالضفة الغربية تشهد تحولات مقلقة، تتعلق بمحاولات إيران تعزيز حضورها من خلال تركيب شبكات أمنية وتحالفات مع مجموعات فلسطينية مسلحة، في خدمة مجانية يتم تقديمها لإسرائيل.
هذه التحركات تتزامن مع تصاعد الأوضاع الأمنية في الضفة، وسط انتشار مقاطع فيديو لعناصر فلسطينية، خاصة في جنين، تبايع إيران بشكل علني. هذا التطور يثير تساؤلات حول دلالات هذه السلوكيات وما إذا كانت إيران تسعى لتكرار سيناريوهات مماثلة لما حدث في لبنان وغزة.
ظهور مبايعات لعناصر فلسطينية تعلن ولاءها لإيران، يكشف أنّ طهران تحاول تحقيق اختراق معنوي واستراتيجي داخل الضفة الغربية، وهي المنطقة التي لطالما بقيت خارج نطاق التأثير المباشر لإيران، مقارنة بغزة التي تحتضن فصائل حليفة لها مثل حماس والجهاد الإسلامي. هذا الاختراق يرتكز على عاملين أساسيين: الأول هو إغراء الدعم العسكري والمالي لهذه المجموعات، والثاني هو التوظيف الأيديولوجي لفكرة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهي ورقة طالما تلاعبت بها إيران لاستخدامها لتعزيز نفوذها الإقليمي.
محاولة الاختراق الإيراني في الضفة المرصودة جيداً من قبل السلطة الوطنية، تأتي في وقت حرج، حيث تشهد المنطقة توترات سياسية وأمنية متصاعدة مع تزايد الهجمات الإسرائيلية وارتفاع حدة الاشتباكات في مدن كجنين ونابلس.
بالنسبة لإيران، تُعد الضفة جبهة حيوية للاستثمار، بعد أن سقطت ورقتا غزة ولبنان من يدها، وبعدما انهار مشروعها في سوريا.
لكن هذه المحاولات تحمل مخاطر كبيرة على الفلسطينيين أنفسهم. فكما شهدنا في لبنان مع حزب الله، وفي غزة مع الفصائل المسلحة، فإنّ الدعم الإيراني غالبًا ما يأتي على حساب الاستقرار الداخلي، ويؤدي إلى تعميق الانقسام السياسي وجر المنطقة نحو صراعات دموية تخدم أجندات خارجية أكثر من المصلحة الوطنية الفلسطينية.
الضفة الغربية، التي لطالما تميزت بحراكها السياسي والاجتماعي المستقل، باتت اليوم مهددة بفقدان توازنها الداخلي إذا استمرت محاولات إيران في جر بعض المجموعات نحو تحالفات عسكرية ذات طابع أيديولوجي وأمني.
يبدو أنّ إيران تراهن على تحويل الضفة إلى ساحة جديدة للصراع بالواسطة مع إسرائيل، لكن هذا الرهان قد يتحول إلى كارثة يدفع الفلسطينيون ثمنها من أرواحهم واستقرارهم. التدخل الإيراني لا يمكن قراءته بعيدًا عن الاستراتيجية الإقليمية لطهران، التي تسعى لتكرار نموذج “محور المقاومة” في كل مكان تجد فيه فرصة للتغلغل، حتى لو كان ذلك على حساب تدمير مجتمعات محلية كما حدث في سوريا واليمن.
في المحصلة، هذه الممارسات تعزز المخاوف من أنّ الضفة الغربية قد تتحول إلى “نسخة جديدة” من غزة، حيث تسيطر الفصائل المسلحة على القرار السياسي والأمني ما سيعني سيطرة الاحتلال وتصاعد شلال الدم الفلسطيني.
إذا استمرت هذه التوجهات، فإنّ ذلك سيضع الفلسطينيين في مواجهة تحديات كبرى، ليس فقط مع إسرائيل، بل أيضًا مع التدخلات الخارجية التي تُهدد بجعل القضية الفلسطينية أداة بيد قوى إقليمية تبحث عن نفوذها الخاص، لكن الواضح أنّ قرار السلطة قطع الطريق على تنفيذ مؤامرة جديدة بحق فلسطينيي الضفة سوف تستفيد منه إسرائيل، لتنفيذ مخططاتها الطويلة الأمد.