لاشك فى أنه من الصعب القيام بعملية كشف حساب للتطورات التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال العام 2024 رغم أنه لم ينته بعد، وسوف أحاول فى هذا المقال أن أتعرض لأهم المتغيرات التى مرت بها المنطقة ليس فقط بهدف حصرها ولكن أساسا من أجل الاستفادة بها فى استشراف المستقبل القريب نظرا لأن استشراف المستقبل على المدى المتوسط أو على المستوى البعيد أصبح نوعا من الترف لايقدر عليه أحد فى ظل تسارع المتغيرات بصورة غير مسبوقة. وفى تقديرى أن هناك ثلاثة متغيرات رئيسية ارتبطت بالأحداث التى شهدتها المنطقة خلال الفترة الأخيرة وهى كما يلى: -: -
المتغير الأول وتمثل فى توالى الحروب تباعا ابتداء من حرب الإبادة التى مازالت تشنها إسرائيل على غزة، ثم الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان والدولة اللبنانية التى انتهت باتفاق وقف إطلاق النار فى 27 نوفمبر الماضى، وقد شهدنا مابين الحربين ضربات عسكرية متتالية ومتبادلة بين إسرائيل وإيران،وكذا ضربات موجهة من اليمن والعراق صوب إسرائيل.
المتغير الثانى وهو قيام إسرائيل بتدمير القدرات العسكرية السورية بشكل شبه كامل وذلك عقب نجاح فصائل المعارضة السورية فى إسقاط نظام بشار الأسد فى الثامن من ديسمبر الحالى، ولم تكتف إسرائيل بذلك بل قامت باحتلال بعض الأراضى السورية، وأسقطت اتفاق فض الاشتباك الموقع بين الجانبين فى 31 مايو 1974. المتغير الثالث وهو نجاح الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» فى إنتخابات الرئاسة وعودته مجددا إلى البيت الأبيض ابتداء من 20 يناير 2025 وماسوف يترتب على ذلك من تأثيرات مهمة للغايةعلى الأوضاع الإقليمية والدولية .
والسؤال الذى يفرض نفسه هنا يتمثل فى كيف يمكن أن تؤثر هذه المتغيرات على المنطقة فى المدى القريب، ومن ثم فمن الضرورى أن نطرح مجموعة من الأسئلة التى سوف تكون بمثابة المجال الرئيسى لكل التطورات التى ستشهدها المنطقة فى المرحلة القبلة، وفى هذا الشأن فقد حددت الأسئلة التسعة التالية : -
السؤال الأول: ماهى طبيعة اليوم التالى عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة ولاسيما من حيث ماهية السلطة التى سوف تحكم القطاع؟ وهل ستنسحب إسرائيل من القطاع ومتى يتم ذلك ؟ وماهو مستقبل حماس ومحور المقاومة؟ وهل ستصبح غزة قابلة للحياة؟ ومن سيتولى مسئولية إعادة الإعمار؟ وهل يمكن استئناف عملية السلام؟.السؤال الثانى: ماهى احتمالات قيام إسرائيل بإعلان السيادة على الضفة الغربية أو على أجزاء منها، خاصة أن هناك مؤشرات إسرائيلية بل وأمريكية تدفع فى هذا الاتجاه ؟وهل الأوضاع فى الضفة ستشهد استقرارا أم ستنفجر انتفاضة ثالثة ؟.السؤال الثالث: طبيعة الأوضاع داخل السلطة الفلسطينية عقب إعلان الرئيس أبومازن فى 28 نوفمبر الماضى الإعلان الدستورى الخاص بتولى رئيس المجلس الوطنى الفلسطينى منصب رئيس السلطة فى حالة شغور هذا المنصب؟ وما مدى نجاح ذلك فى احتواء أى صراع محتمل للخلافة؟ .
السؤال الرابع: مدى إمكانية استقرار الأوضاع فى سوريا عقب إسقاط نظام بشار؟ ومدى قدرة النظام الجديد على أن يحتوى الجميع وأن يكون مقبولا إقليميا ودوليا؟ وماهى احتمالات عودة التنظيمات الإرهابية إلى سوريا مرة أخرى ؟.السؤال الخامس: مدى إمكانية التوصل إلى حلول للأزمات المثارة فى كل من السودان وليبيا واليمن والسد الإثيوبى ومنطقة البحر الأحمر؟.
السؤال السادس: مدى إمكانية تحصين الأوضاع الداخلية فى كل من العراق والأردن ولبنان وألا تتعرض هذه الدول لأى أزمات تؤثر على استقرارها ؟.
السؤال السابع: هل ستكون المنشآت النووية الإيرانية خارج نطاق الاستهداف الإسرائيلى الأمريكى؟ أم أنه يمكن أن يتم تسوية الأزمة النووية سلميا؟ وماهى انعكاسات ذلك على منطقة الخليج ؟.
السؤال الثامن: مدى قدرة إسرائيل على الاستمرار فى قطار التطبيع مع بعض الدول العربية خاصة مع السعودية؟ ومدى استثمار الدعم الأمريكى فى هذا الشأن؟ وماهو الثمن الذى يمكن أن تدفعه إسرائيل مقابل هذا التطبيع؟.
السؤال التاسع: مدى إمكانية قيام الرئيس «ترامب» بطرح حلول سلمية جديدة للمشكلات المثارة فى المنطقة ولاسيما القضية الفلسطينية بعيدا عن إعادة طرح صفقة القرن التى لن تنجح تحت أى مسمى؟.
ودون استباق للأحداث، ففى رأيى أن المنطقة سوف تشهد فى المستقبل القريب استمرارا لمظاهر عدم الاستقرار وذلك ارتباطا بعاملين رئيسيين الأول مواصلة إسرائيل تنفيذ مشروعها الذى يتحرك بدون ضوابط فى كل المنطقة وقيامها بإعادة احتلال بعض المناطق العربية (غزة – سوريا – جنوب لبنان) ورفض أى حلول سياسية للقضية الفلسطينية، أما العامل الثانى فيتمثل فى تحرك بعض دول المنطقة بما يتعارض مع المصالح العربية، ومحاولة إعادة ثورات الربيع العربى بأشكال جديدة وهو ما سوف يؤدى إلى مزيد من التوتر وتعقيد فرص حل المشكلات المثارة .
وفى ضوء ماسبق، فإنه فى ضوء وضوح حجم المخاطر التى يمكن أن نشهدها فى المستقبل القريب، تصبح هناك مسئولية ذات شقين رئيسيين الأول مسئولية تقع على الدول العربية التى يجب عليها إن تحدد الخطوط الحمراء للأمن القومى العربى ولاتسمح لأحد أن يتخطاها حيث إن هذه المخاطر أصبحت محدقة بالجميع بلا استثناء، أما الشق الثانى فهى مسئولية تقع على الإدارة الأمريكية الجديدة التى يجب أن تعلم علم اليقين أن مصالحها فى تلك المنطقة الإستراتيجية لن تتحقق مادامت تسمح لإسرائيل أن تعيث فى المنطقة فسادا وتفرض سياساتها بالقوة تحت ادعاءات الحفاظ على أمنها، ولعل أول نصيحة أود أن أقدمها لإدارة الرئيس «ترامب» أن تضع الحل العادل للقضية الفلسطينية على رأس أولوياتها فى إطار معالجة قضايا المنطقة وبدون ذلك ستظل الحروب هى العنوان الدائم للشرق الأوسط.