احتفلنا.... بما يكفي ويزيد

 

 

 

السقوط الأكثر دراماتيكية في التاريخ، هو سقوط سوريا، كدرّة التاج في قوى الممانعة ووحدة الساحات، ومن جهة أخرى كدرّة التاج في عالمنا العربي كدولة وكيان.

لم يكن مجرد سقوط لنظام الحكم، الذي كان على مدى 54 عاماً "مطوّباً" لحساب الأسد الاب والابن، وإنما سقوط لواحدة من أهم دول المنطقة، وانتقالها من قبضة خارجية إلى قبضة خارجية أخرى، لا دور للشعب السوري فيما حصل.

لو سقط النظام "ونعوذ بالله من كلمة لو" حين وصلت الثورة الشعبية إلى ذروتها قبل الاستعانة بالإيرانيين والروس لإنقاذه، لاعتبرنا سقوطه آنذاك ثمرةً إيجابيةً لثورة شعبية، أما وقد جاء السقوط بفعل هروب الرئيس للنجاة الشخصية، ومن خلال تدخل خارجي واضح، فما حدث وإن كان يستحق الاحتفال من قبل شعب منكوب، إلا أنه يستحق قراءة للحقائق السلبية التي نجمت عنه بالمقابل، منها مثلاً اتساع الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ سورية، من جبل الشيخ الذي أغرى نتنياهو إلى اعتبار البقاء في الجولان مسألة محسومة وإلى الأبد، مع الوقوف الإسرائيلي على مرمى قذيفة من العاصمة دمشق.

ولمن لا يزال يحتفل بالسقوط، ولا وقت لديه للتحقق من آثاره الراهنة والمستقبلية، فلينتبه إلى أن الذي يحدث حتى الآن هو الانتقال من نفوذٍ خارجيٍ إلى نفوذٍ خارجيٍ آخر، وإن لم يكن بذات الطرق والأغلفة والأدوات القديمة.

وبعد أن كانت سوريا في عهد النظام البائد أشبه بمستوطنة إيرانية ومحمية روسية، فما الضمانة لأن لا تكون بعد الاحتفالات الكبرى مستوطنة لقوىً خارجية متعددة، لا تقوم بعمل خيري في سوريا بل بما يتوافق مع مصالحها وسعيها لجعل البلد الهام منطقة نفوذ إمّا تحتكرها أو تتقاسمها.

الخطر قائم ولكنه إذا ما أديرت مرحلة ما بعد السقوط والاحتفالات بإتقانٍ، فهو ليس قدراً لا راد له، نقطة البداية من الشعب السوري أولاً، الذي عانى من الديكتاتورية وحكم العسكر والاستبداد، الذي تحميه قوىً خارجية، قتلت مئات الألوف وشرّدت الملايين، فليس له من معينٍ في هذه الحالة سوى من لا يمكن اعتبار دعمهم له خارجياً يثير المخاوف وهم العرب، الذين إن لم يملؤوا الفراغ بحضورهم الإيجابي الفعّال، فما حدث في سوريا لا منجاة منه بالاتساع إلى أماكن أخرى.

نقرّ بأن الحال العربي ليس على الصورة التي نتمناها، غير أن فداحة الخطر الذي التهم سوريا وأوصلها إلى ما هي عليه الآن يحتم استفاقة على الواقع، والمبادرة إلى ملء الفراغ بكل ما لديهم من إمكانات، فالسوريون لا يعتبرون الحضور العربي الإيجابي والفعّال في بلدهم تدخلاً خارجياً، بل هو الترجمة الحقيقية لهوية سوريا التاريخية العربية العربية حتى النخاع.

لقد احتفلنا بما يكفي بسقوط النظام الأسوأ من كل النظم التي شهدها العالم، فلنطفئ أنوار الاحتفال لنشعل الأنوار على الطريق العربي الذي يجب أن ينقذ سوريا ويعيدها إلى شعبها وأمتها وهويتها الحقيقية.

 

 

 

 

Loading...