نشر المؤرخ البروفيسور عاموس غولدبيرغ، الباحث في الهولوكوست من الجامعة العبرية، قبل أيام مقطع فيديو يحمل عبارة لا لبس فيها، وهي أن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية، وهو أكاديمي يحظى باحترام كبير، وليس داعية عدائياً.
وأكد باحث آخر، يدعى دانييل بيلتمان، وهو باحث في الهولوكوست، أن إسرائيل ترتكب جريمة حرب فظيعة في غزة، تتراوح بين التطهير العرقي القاتل والإبادة الجماعية، معتبرا أن الدعوة لمراقبة ما يحدث في غزة ووقفه لم تعد حكراً على المنظمات الدولية أو الباحثين في الخارج وحدهم، بل وصل الأمر للباحثين الإسرائيليين.
وسواء أكان من الواضح أن ما يحصل في غزة إبادة جماعية، أم مجرد احتمال، فلا يمكن تجاهل ذلك، لأنني قمت على مر السنين بدراسة العديد من حالات الإبادة الجماعية ضد الشركس في روسيا، والروهينغا في بورما، وفي الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، وما شهده من وقوع مذابح متبادلة، واليوم ما يحدث في غزة، وفقاً لأغلب التقديرات، هو أن عدد الضحايا الفلسطينيين يتوافق بالفعل مع المستوى العالي من التقديرات للضحايا في حالة الروهينغا، كما أن تدمير البيئة المعيشية بأكملها هائل، وربما غير مسبوق.
ورغم كل هذه الحقائق الدامغة، فإنه يصعب، بل يستحيل، بالنسبة لمعظم الإسرائيليين قبول هذه المناقشة على الإطلاق، سواء بسبب صدمتهم مما حدث في هجوم «حماس» يوم السابع من تشرين الأول، أو لأن معظم الإسرائيليين لا يرون أنفسهم يريدون تدمير جميع الفلسطينيين، رغم وجود ساسة إسرائيليين متطرفين يعبرون عن أنفسهم في بعض الأحيان بطريقة يمكن فهمها بشكل مختلف، وتحمل اعترافاً بتنفيذ الجيش لجريمة الإبادة الجماعية في غزة.
قد يكون مفيداً معالجة الفجوات في التصورات إذا نظرنا لما يحدث في غزة على أنه ليس نتيجة لنوايا متعمدة، بل كحدث مبني على سلسلة أحداث لم يتم التخطيط لها مسبقاً بالضرورة، لأن الإبادة الجماعية، في التعريفات المقبولة، مسألة متعمدة، وبالتالي يمكن أن يكون ما يحصل في غزة ليس تخطيطاً ممنهجاً لـ»إبادة جماعية»، بل ربما تنفيذ لخطة انتقام، لكن النتائج عملياً هي أن هناك المزيد والمزيد من الباحثين والخبراء يرون ما يحصل في غزة إبادة جماعية في الممارسة العملية.
ما يجري في غزة تتحمل إسرائيل المسؤولية مباشرة عنه، خاصة أن الحديث يدور عن ضحايا بعشرات الآلاف من الأطفال والنساء والمسنين، بجانب من ما زالوا على قيد الحياة لكنهم معرضون لخطر يومي من الأوبئة والمجاعة واستمرار النشاط العسكري.
ولذلك يجب علينا أن نؤكد على قدسية الحياة البشرية، وأن نعمل على وقف العنف. وكل من يرى نفسه ملتزما بالإنسانية بشكل عام لا يمكنه تجاهل الوضع الإنساني الكارثي في غزة، فهناك مأساة رهيبة تتكشف بالفعل في غزة، ويجب أن تتوقف على الفور، سواء سميناها إبادة جماعية أو استخدمنا مصطلحات أخرى، حتى لو كانت «عرضية». الإبادة الجماعية، أو استخدام مصطلحات أخرى.
عن «زمان إسرائيل»
* عالم الأنثروبولوجيا، وعضو هيئة تدريس بكلية «هداسا» الأكاديمية، والباحث المشارك بمعهد ترومان في الجامعة العبرية.