السيطرة الإسرائيلية على أراضٍ داخل سورية حذرة ومفهومة. هكذا في هذه الأثناء. إذا سرنا من الشمال إلى الجنوب على طول الخارطة سنجد تواجداً للجيش الإسرائيلي في سلسلة جبل الشيخ السوري والسفوح الشرقية للجبل، حتى أطراف قرية الحضر الدرزية. سيطر الجيش الإسرائيلي على مفترقين في مدخل القنيطرة، لكنه لم يدخل القنيطرة القديمة أو الجديدة. تموضعت قوة أخرى في تل كدنة أمام البلدتين حسينية وكيشيت في هضبة الجولان. وتموضعت قوة ثالثة قرب مثلث الحدود سورية – الأردن – إسرائيل، فوق حمات غدير (الحمة السورية). في كل المناطق التي تم الاستيلاء عليها لا يوجد سكان، باستثناء بضع عشرات السوريين الذين تبقوا في قريتين صغيرتين غرب القنيطرة.
توجد رؤيا، وتوجد أمنيات؛ ولا يوجد احتمال عملي. الأمنية هي أن نرى سورية تنقسم إلى بضعة جيوب من الحكم الذاتي، كل جيب وطائفته. الأكراد في الشمال الشرقي، الدروز في الجنوب، العلويون في الشمال الغربي. المرشحون الأوائل للانقسام هم الدروز.
أول من طرح الرؤيا الدرزية كان يغئال ألون، قاد «البلماخ»، وأحد المبادرين الكبار في علاقات إسرائيل والمنطقة. اقترح ألون بعد حرب «الأيام الستة» أن تشجع إسرائيل الدروز في جبل الدروز على إقامة دولة خاصة بهم، ترتبط بالجيب الدرزي، قرية الحضر ومحيطها، في شمال الهضبة. هذه رؤيا تتوافق مع 2024. في جبل الدروز (منطقة السويداء) يعيش نحو 300 ألف درزي. حافظوا على ولائهم لنظام الأسد، لاعتبارات البقاء. لم يعين الحكم السوري الجديد، الجهادي، بعد حاكماً للمحافظة، فهو مشغول بتثبيت ذاته وبالشرعية.
لكن توجد احتكاكات أولية. درزي من الحضر ذهب قبل بضعة أيام إلى كرم الزيتون خاصته. أوقفه حاجز للنظام الجديد على الطريق، وسأله: إلى أين تسافر؟ إلى كرم زيتوني، قال. كان لك في ظل النظام السابق؟ سألوه، لكنهم تركوه.
قافلة من 200 سيارة، تندرات وجيبات كلها من رجال «هيئة تحرير الشام»، الحكام الجدد للدولة، نزلت، السبت الماضي، من دمشق جنوبا. وصلت القافلة إلى درعا، قرب الحدود الأردنية. في جبل الدروز سجل قلق: قد يتوجهون يساراً اليهم. في النهاية اكتفوا بإظهار السيادة، وعادوا إلى دمشق.
الدروز، كما هو الحال دوماً، منقسمون فيما بينهم. يوجد دروز يتطلعون للمساعدة والحماية من إسرائيل، ويوجد من يبتعدون عنها كالنار. مصدر في الجيش ذكر لي، هذا الأسبوع، أن كل أعمال الإرهاب التي خرجت من سورية إلى إسرائيل، بما في ذلك عملية سمير قنطار، بدأت في الحضر. لا يوجد اليوم حضور للنظام السوري الجديد في القرية. كما لا يوجد حضور إسرائيلي.
ردّ الأكراد على انهيار نظام الأسد بتوسيع منطقة سيطرتهم، في شمال سورية. حرب بين فصيليهم وضغط تركي دفعهم ليعودوا ويتقلصوا. هم يتطلعون إلى مساعدة إسرائيلية. المنطقة الأكثر إقلاقا من ناحية إسرائيل هي جنوب هضبة الجولان. في الماضي كان فيه حضور لمنظمة جهادية مقربة من «داعش». امتنع رجالها عن الصدام مع إسرائيل. هم لم يختفوا: الآن، حين يكون الجهاديون يسيطرون في دمشق قد يفاجؤون من جديد. ويوجد أيضا فلسطينيون في الجنوب. نحو ألف من «الجهاد الإسلامي» ومئات من «حماس». بعضهم مسلحون بالصواريخ. يوجد «مخربون» من «حماس» بين أولئك الذين حررهم النظام الجديد من السجن. الحدود السورية من شأنها أن تفتح لـ»الإرهاب». القلق الأكبر، الجدي، هو على مستقبل الأردن. في نهاية 2026 يفترض أن يغادر الأميركيون العراق. ترامب سيسره الانسحاب من هناك قبل ذلك. إن الضغط الداخلي على النظام الهاشمي سيضاف إليه الضغط من العراق والضغط من الحكم الجديد في سورية. سيتعين على إسرائيل أن تخصص فرقة لحماية حدود الأردن. لن يكون مفر من استثمار المليارات في بناء عائق.
في الخلاصة، إسرائيل راضية عن انهيار النظام في سورية ومن تداعياته على لبنان وعلى المنطقة كلها، لكنها قلقة من تثبت النظام الجديد. مغازلات الجولاني، قائد النظام الجديد، لحكومات غربية، وتصريحاته المعتدلة تجاه إسرائيل لا تهدئ روع احد. تعلمنا في 7 تشرين الأول أن ليست النوايا هي المهمة بل القدرات. قال لي مصدر عسكري: تصور انه مثلما نزل نحو 60 ألف جهادي من إدلب إلى حمص ومن هناك إلى دمشق سينزل 60 ألف جهادي من دمشق ومن هناك إلى هضبة الجولان. في رأسه، وفي رأسي أيضا، جاءت الصور من الغلاف.
الحدث المغطى إعلاميا على إحدى قمم جبل الشيخ السوري سعى ليطلق رسالة للنظام الجديد ولأنظمة عربية أخرى: إسرائيل هناك. في الوضع الناشئ الرسالة ضرورية، بل ربما حيوية. لكن نتنياهو مثل نتنياهو: لا يمكنه أن يفعل شيئا صحيحا دون أن يرفق به مناورة صغيرة لإنزال الأيدي للقضاة في محاكمته ودون أن ينظم حوله احتفال احتلال زائد. لا يوجد ما يدعو إلى تزوير مداولات لساعات على قمة جبل أجرد: المداولات الجدية تجرى في الغرف المغلقة. أمام الشاشات والعروض. لا يوجد ما يدعو إلى جر رئيس «الشاباك» ورئيس الأركان إلى هناك. الحياة ليست نزهة منظمة.
يوجد شرق أوسط جديد، لكن لا أحد يعرف ما الذي ستكون عليه طبيعته، وماذا سيكون مكان إسرائيل فيه وماذا ستكون احتياجاتها الأمنية. أقامت الحكومة لجنة برئاسة يعقوب نيغل، رجل ثقة نتنياهو، لفحص ميزانية الدفاع في العهد الجديد. تواصل الحرب يثير توقعاً لميزانية دفاع موسعة. الماضي يفيد درساً آخر: تضخيم ميزانية الدفاع إلى حجوم وحشية بعد حرب «يوم الغفران» تبين أنه خطأ فتاك.
يوم الأحد مثل أمام اللجنة نائب رئيس الأركان، أمير برعم. وقال لها إن الأساس الأفضل هو ميزانية دفاع بمعدل 5.8 في المئة من الناتج القومي الخام، 148 مليار شيكل. الأساس الحالي هو ميزانية بحجم 5.1 في المئة من الناتج، 132 مليار شيكل. لا تتحدثوا فقط عن احتياجات الأمن الجاري. تحدثوا عن أمن أساسي، عن الأزمة الخطيرة في القوى البشرية، وعن التردي في مكانة مقدمي الخدمة الدائمة. عن عالم فقد استقراره، آخذ في التسلح، وعن الحاجة لإنتاج الكثير جدا من الذخيرة هنا، وعن الفرص التي تفتح.
لن يتقرر حجم ميزانية الدفاع في المقالات في الصحف. كل رقم في هذا الحديث يبدو خيالياً، كبيراً على الدولة وعلى مواطنيها. الأمن الأساس هو تعليم ورفاه وعمل. في النهاية البطانية قصيرة: جميل أن يعترض صاروخ «حيتس 3» صاروخاً حوثياً، لكن كل صاروخ كهذا يكلف 4.5 مليون دولار.
عن «يديعوت»