بين وقت وآخر تظهر دعوات لرجال الأمن الفلسطينيين في الضفة بالاشتباك المسلح مع الإسرائيليين، لم يستجب أحد لهذه الدعوات.
حكومة نتنياهو التي تنتظر انخراطاً كهذا، وغالباً ما تسعى إليه، ترسل إلى الضفة أفواجاً من الجيش بمختلف تشكيلاته بما هو أكبر وأوسع بكثير من الترتيبات الأمنية الضرورية، إضافة إلى رعايتها المباشرة لعمليات المستوطنين المسلحين، وإقامة عشرات الحواجز الإضافية لخنق المناطق الفلسطينية، بما يحول الضفة بمدنها وقراها المكتظة بالمواطنين إلى معازل منفصلة تجعل من التحرك فيما بينها عذاباً لا يحتمله إلا المضطرون، ما خفّض التواصل الفلسطيني الفلسطيني إلى حدود دنيا، وفي حالات عديدة لا تواصل حتى بين أفراد العائلة الواحدة.
ومن جانب إسرائيل فلكل تجمع فلسطيني في الضفة والقطاع والقدس سياسة خاصة به، تلتقي على هدف واحد هو اخضاع الشعب كله، وقبول أو عدم القدرة على مواجهة الترتيبات الإسرائيلية الراهنة والمستقبلية التي تفضي إلى هدفين رئيسيين.. الأول: تحويل الفلسطينيين إلى سكان بلا حقوق سياسية وطنية، يرتبطون في كل شؤون حياتهم بما يقدمه الإسرائيليون لهم من تسهيلات.
والثاني: تحويل الأرض الفلسطينية إلى احتياطي استيطاني لمخططات جاهزة بعضها قيد العمل والبعض الآخر في الأدراج انتظارا لظروف مواتية كي يتم تفعيلها إمّا بتوسيع المستوطنات القائمة أو إقامة مستوطنات جديدة.
ولا يفارق الإسرائيليون هدف خفض عديد السكان في الضفة والقطاع والقدس. والأولويات نحو هذا الهدف تتركز أولاً في القدس ثم غزة، وما يمكن تهجيره من الضفة نحو الأردن.
وفيما يتصل بالقدس، فهنالك ترتيبات إسرائيلية قانونية وأمنية يراد لها أن تدفع المواطنين لنقل حياتهم إلى مدن الضفة، أو مغادرة الوطن إلى أي مكان.
واقع الضفة: مساحتها تقل قليلاً عن الستة الاف كيلو متر مربع، يقطنها خمسة ملايين وعدة الاف، تدار شؤونهم من قبل السلطة والمؤسسات الوطنية والمحلية فيما يصنف بمنطقتي "أ" و "ب".
أمّا ما تبقى من أراضي وهي ما يزيد عن نصف مساحتها، فما تزال واقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.
الضفة الغربية رغم الانتشار الاستيطاني الذي لا تخلو منه منطقة، إلا أنها تنمو سكانياً وعمرانياً بصورة مضطردة، ومجتمعها حيوي ومنظم في إطار مجالس محلية فعّالة، ومنظمات شعبية كالنقابات والاتحادات والجمعيات، والاف المؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد وجامعات، وقطاع خاص قوي ونشط يضخ دماً في الاقتصاد الوطني، وفي الحياة العامة، ويوفر فرص عمل في شتى المجالات إلى جانب العمل في إسرائيل الذي يوفر عائدات مهمة تبلغ ما يقارب الـ 400 مليون دولار شهرياً، أمّا على صعيد وظائف السلطة يتقاضى ما يزيد عن مائتي ألف مرتبات شهرية بما في ذلك التقاعد.
انتظام الحياة في الضفة رغم الصعوبات، وامتناع المواطنين عن الهجرة إلى أي مكان هو التحدي الأعمق والأقوى للاحتلال، وهو المقاومة الفعالة لجميع مخططاته... الضفة والقدس قبلها بمدنها وقراها ومخيماتها وملايينها، هي الضمانة الراسخة لاستحالة تصفية القضية، وهي الأرضية الصلبة لبناء المستقبل عليها، ضمن دولة حقيقية لكل الفلسطينيين.
مقاومة الاحتلال، عقيدة شعبية قبل أن تكون فصائلية أو نخبوية، والضفة لا تحتاج إلى مجازفات غير محسوبة القدرة والنتائج، فبقدر ما تستطيع، يدافع شبابها عن مخيماتهم ومدنهم وقراهم، وأهل الضفة يعرفون ما يفعلون ولا يحتاجون إلى تحريض يأتي من أي مكان، فهم يتحملون قسوة الاحتلال ويتغلبون عليها بالبقاء على أرض وطنهم، ويصدون قطعان المستوطنين بالاشتباك بالأيدي، وما أن تقتلع شجرة زيتون يزرع الفلسطيني عشر شجرات بديلة عنها، وما أن يهدموا بيتاً يتنادى أهل البلد لإعادة بناءه واسكان أهله.
إن ما تحتاجه الضفة.. دعماً أكثر قوة وانتظاماً لتنميتها، ونظاماً سياسياً يختاره الناس لا أن يفرض عليهم، وسلطة وطنية بكل ما لكلمة وطنية من معنى، وتحتاج إلى تجسيد وحدتها مع غزة، ليس في إطار ما يسمى بالترتيبات المؤقتة وإنما بصورة نهائية في إطار دولة حقيقية.
هذا ما تحتاجه الضفة وتوأمها غزة وعاصمة الوطن والدولة القدس، أمّا ما يحتاجه نتنياهو ولا يتوان عن التربص به هو أن يرى الضفة مكان موت ودمار وأشباح تخلو من الفلسطينيين، وهذا ما لم ولن يمكنه الفلسطينيون منه مهما خطط وتوعد وفعل.
وكلما زاد في فلسطين مولود فهو تحدٍ له، وكلما نبتت شجرة جديدة في فلسطين فهي تحدٍ لمستوطنيه، وكلما خرّجت الجامعات والمعاهد أفواجاً من حملة الشهادات كلما ارتفع منسوب التفوق الحضاري لفلسطين على محتليها.
فيا أيها العرب والأصدقاء استثمروا في فلسطين، وإذا كان لديكم تحفظات على شيء فتجنبوه، وها هي المجالس المحلية والجامعات والمؤسسات الشعبية في انتظاركم.