من كان يريد وصفاً صادقاً للجحيم عليه أن يتطلع إلى غزة فهناك يكمن الجحيم بعينه على وجه الأرض ولا نخال أن هناك شيئاً في العالم أشد وطأ مما يجري في القطاع منذ أشهر طويلة هي بعمر الدهر في حق من يتعرض للإبادة بكل ما تحتمله الكلمة من قتل وحرق للأحياء ومن تجويع وتهجير قسري وتدمير لكل مقومات الحياة، بالأمس نطق البابا معتبراً بعد أكثر من عام على حرب الإبادة في غزة إن ما يحدث ليس حرباً بل وحشية.. موقف البابا على أهميته وقد جعل كيان الاحتلال يرد بغضب عليه يمكن تنزيله ضمن أنصاف المواقف التي تقتل ولا تحمل للعليل دواء على حد تعبير مظفر النواب.. محاولات إسرائيل إلغاء دور الأونروا حرب قديمة جديدة هدفها الاساسي إلغاء حق العودة الذي أقرته القوانيين الدولية وفق القرار 194 واليوم إذ يعود ناتنياهو لإحياء هذا الهدف فلأنه يعتبر أنه في موقع قوة وأن المشهد الفلسطيني مهتز وضعيف ومتأزم وغير قادر على الصمود ولأنه يستشعر أيضاً أن ما يجري في سوريا يمنحه فرصة استثنائية لتحقيق هذا الهدف فيما الأنظار تتابع تطورات موسم الحج إلى الجولاني.. والأكيد أن من يساند قرار الكنيست بعرقلة وشل دور الأونروا بمنع التمويلات والمساعدات للوكالة وتجفيف منابعها ومنع شريان التنفس المتبقي للفلسطينيين شريك في الجريمة. إلغاء الأونروا جريمة إضافية للاحتلال ومكافأة لناتنياهو مجرم الحرب الغارق في الدم الفلسطيني..
نقول هذا الكلام على وقع قرار السويد قطع تمويلها للأونروا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في تناقض مع مواقف السويد التي يمكن وصفها بالداعمة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير هي من الدول الأوروبية التي اعترفت بدولة فلسطينية منذ 2014 إلا أن موقفها الراهن من الأونروا لا يمكن أن يلغي مسؤوليتها أو يعفيها من جرائم الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال بما في ذلك إصراره على تجويع غزة وإلغاء دور الأونروا في هذه المرحلة ومنع دخول الاحتياجات الأساسية لأهالي القطاع من خيم أو ماء أو دواء.. وقد احتجت السفيرة الفلسطينية في السويد رولا محيسن على هذا القرار وطلبت من الخارجية السويدية مراجعته والتراجع عنه ولا يبدو أن هناك إشارة عن تحول الموقف السويدي حتى الآن، والواقع أن قرار السويد يأتي فيما تتجه النرويج إلى محكمة العدل الدولية لطلب رأيها بشأن قرار كيان الاحتلال حظر عمل الوكالة الحيوي للشعب الفلسطيني المنكوب لا سيما مع استمرار حرب الإبادة في غزة. وقناعتنا أن دور الأونروا الذي أقرته الأمم المتحدة لحماية ومساعدة اللاجئين الفلسطينيين طالما استمر الاحتلال قرار واضح ولا يحتاج تأشيرة من أي طرف كان ولا نجانب الصواب إذا اعتبرنا أن موقف العدل الدولية سيكون داعماً لدور الأونروا واستمراره.. موقف السويد يأتي على خلفية الحظر الإسرائيلي لأشغال الوكالة وهو قرار جائر يحتكم لغطرسة الاحتلال ولكن أيضاً للموقف الأمريكي الغارق في انحيازه لكيان الاحتلال ورئيس حكومته مجرم الحرب ناتنياهو وعصابته..
لم يدخل قطاع غزة على مدى شهرين أكثر من اثني عشر شاحنة غذائية وهو ما يمكن اعتباره نقطة من بحر احتياجات غزة، والواضح أن حكومة نتنياهو تسعى من وراء ذلك إلى تغطية الحقائق والترويج بعكس ما يحدث للرأي العام الدولي على اعتبار انها تسمح بعبور المساعدات وهي طريقة إسرائيلية لمواصلة الإبادة ودفع المجتمع الدولي لتبني الرسالة الإسرائيلية الكاذبة..
يأتي ذلك فيما لا يتوقف المتحدث باسم الأونروا لازاريني عن إطلاق صرخات الاستغاثة والمطالبة بإيقاف الحرب المستمرة منذ أكثر من أربعة عشر شهراً مع تفاقم الأوضاع المعيشية وانتشار الأمراض وتدمير المستشفيات.. ما أقدم عليه الكنيست الإسرائيلي من محاولة تفكيك الأونروا جريمة أخرى تضاف لجرائم ناتنياهو وهي جريمة ثابتة الأركان تستهدف حاضر ومستقبل الفلسطينيين في حياتهم اليومية الغذائية والصحية والتعليمية التي تعتمد أساساً على الوكالة. ما يعني أن تجفيف منابعها وإنهاء دورها يعني قطع شريان الحياة المتبقي للفلسطينيين تحت الاحتلال.. وستحرم الملايين من لاجئي فلسطين من الخدمات الأساسية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية أيضاً فضلا على أن الأونروا هي السجل المدني والتاريخي الفلسطيني وهي أيضاً الشاهد على الأحداث منذ أكثر من سبعة عقود وإلغاء وجودها نسف لجزء أساسي من تاريخ فلسطين منذ نكبة 48. نعم لقد كان موقف أغلب الدول والمنظمات الدولية والإنسانية واضحاً في رفض قرار الكنيست الإسرائيلي المتغطرس.. إلا أنه في غياب إرادة دولية وعدالة فاعلة تمتد اليد الذولى للاحتلال لضرب كل ما يمكن أن يساعد الفلسطينيين الذين خذلهم العالم في هذه المحرقة المفتوحة.. إلغاء الأونروا مكافأة لناتنياهو! وتشجيع له لمواصلة الإبادة وإلغاء وجود الأونروا خطة طالما حلم بها كيان الاحتلال وهو اليوم يعتقد أن الظروف الإقليمية والدولية ووهن المجتمع الدولي والانهيار الحاصل في المنطقة يمكن أن يحول الحلم إلى واقع.