سوريا والثورة المضادة... التشكيك والشيطنة!!

ستدخل الثورة السورية التاريخ من عدة أبواب ومزايا أولها أن أياماً معدودة وبأسلحة يدوية بسيطة مكنت الثوار من إسقاط نظام كان من المفترض أنه أحد أقوى الأنظمة في المنطقة حيث اتضح لاحقاً أن نظام آل الأسد كان نظاماً قوياً وصلباً على شعبه فقط ( عشرات ولربما مئات المعتقلات والسجون والمسالخ البشرية جرى ويجري اكتشافها بعد هروب بشار الأسد وسقوط النظام  في الثامن من الشهر الجاري) ، أما الباب الآخر فهو  أن غياب هذا النظام شكل حالة ملفتة جداً من الارتياح ليس لدول الإقليم فقط بل لدى أغلبية دول العالم حتى أن الدول التي كانت تسانده مثل  روسيا وإيران تخلت عنه وتركته يحتضر بلا أي مساعدة تذكر.

رغم كل ما سبق فإن الوضع الجديد في سوريا يواجه عدة تحديات من أبرزها هو تحدي " الثورة المضادة  والتشكيك أو إحداث الفوضى " بعد النجاح السريع الذي حققه الثوار بقيادة أحمد الشرع في ضبط الأمن وتوفير الاحتياجات الأساسية للجماهير في عموم المدن السورية بعد أكثر من عقد من الحرمان الممنهج من الكهرباء والخبز والديزل وغاز الطبخ وغيرها من الاحتياجات الأساسية التي كان يمنعها النظام متعمداً وذلك لإذلال الناس وإشعارهم بأن رغيف الخبز أو جرة الغاز التي يحصل عليها المواطن السوري هي " منة " من النظام وليست حقاً مشروعاً له .

بعد أقل من أسبوع بدأت الثورة المضادة تطل برأسها ليس في الشارع السوري بل في وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا وفي العالم العربي وجرى خلال تلك الحملة  المضادة التي يبدو أنها مبرمجة التركيز على أسئلة أو قضايا يمكن القول أن بعضها ( حق يراد به باطل ) ومن  أبرزها التركيز على شخص أحمد الشرع حيث وصل الأمر لدى  بعض الجهات المتضررة من التغيير حد  وصف الشرع بإيلي كوهين الجديد  في اغتيال واضح  لشخصيته (  وكوهين هو الجاسوس  الإسرائيلي الذي اخترق الدولة السورية باسم كامل أمين ثابت وأعدم بعد اكتشاف أمره بساحة المرجة عام 1965) ، وبعضها أخذ يشكك حتى في أصول الشرع  والبعض الآخر أخذ يجزم بأنه داعشي سيأخذ سوريا إلى الدمار وشلالات الدم ، أما المفصل الخطير فهو تفسير التصريحات التي صدرت من بعض المسؤولين الجدد الذين لا يعتبرون المواجهة أو الحرب مع إسرائيل هي الأولوية معتبرين تلك التصريحات بمثابة مؤشر على أن   الحكام الجدد لسوريا دعاة تطبيع متجاهلين  هؤلاء جملة من الحقائق  و هي ما يلي :

•     من الحقائق المثبتة تاريخياً أن حافظ الأسد الذي كان وزيراً للدفاع في سوريا سنة 1967 هو من أصدر الأوامر للجيش السوري للانسحاب من هضبة الجولان التي قال عنها أغلبية الخبراء العسكريين حول العالم أن سقوطها بيد الجيش الإسرائيلي من الناحية العسكرية هو أمر مستحيل لولا أنها سلمت تسليماً ، ومن المفارقات الغريبة أنه ورغم هذا الفشل لحافظ الأسد وضياع الجولان منه ينجح في الانقلاب على شريكه ورفيقة في الحزب وابن طائفته صلاح شديد تحت مسمى (الحركة التصحيحية) ويتولى حكم سوريا في 22 شباط 1971.

•     من المفارقات أيضاً أن مشاركة سوريا بقيادة حافظ الأسد في حرب أكتوبر 1973 كانت هزيلة ورخوة وضعيفة، فبعد أن  حقق الجيش السوري في الساعات الأولى للحرب تقدماً كبيراً على جبهة الجولان واخترقت  قواته ( خط الون ) ووصلت مشارف بحيرة طبريا ، عجزت  هذه القوات ( أمر مستغرب ) عن  الاحتفاظ بالأراضي التي حررتها وليس هذا فحسب بل تقدمت القوات الإسرائيلية ووصلت إلى مشارف دمشق بشكل مفاجئ ومثير للجدل،  وسارع هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي وقتذاك إلى التدخل لحفظ ماء وجه  حافظ الأسد وأنجز اتفاقية فك الارتباط بين سوريا وإسرائيل والتي بموجبها توقفت الحرب واحتفظت إسرائيل بمعظم  الجولان وأعادت مدينة القنيطرة لسوريا كجائزة ترضية  .

•     منذ اتفاقية فك الاشتباك عام 1974 حتى سقوط نظام بشار الأسد لم يطلق نظام آل الأسد رصاصة واحدة على دولة الاحتلال طول خمسة عقود متواصلة وبالمقابل قام نظام حافظ الأسد بالتحالف مع القوات الانعزالية اللبنانية المتحالفة مع إسرائيل وقتل قرابة الخمس آلاف من الفلسطينيين العزل في تل الزعتر (1976) كما أنه امتنع عن دعم فصائل منظمة التحرير عام 1982 في بيروت التي حاصرها ارييل شارون.

يبقى المعيار في ظل الجدل حول الثورة في سوريا هو سقف الحرية والعدالة والنمو متعدد الأوجه وليست الشعارات التي ثبت أنها لم تكن إلا سمفونية أكاذيب يعزفها النظام ببلاهة وخاصة تلك المتعلقة بفلسطين وشعبها.

 

كلمات مفتاحية::
Loading...