جاك شيراك الرئيس الفرنسي الأسبق وعند زيارته الشهيرة لفلسطين.. وقف أمام المجلس التشريعي الفلسطيني وألقى خطاباً.. لا أنسى منه جملة قالها (أنتم الفلسطينيين ضحية تاريخ ليس تاريخكم).
هذه في الواقع إحدى الحقائق التي تعرفها أوروبا منذ زمن بعيد، لكنها آثرت ألا تردد كلماتها لأنها ستعني إن نطقت بها، أنها تدين صمتها عن مأساة خلقتها للفلسطينيين، ومن ثم أدارت ظهرها غير راغبة في النظر إليها.
كان ذلك الإنكار هو الستار المطلوب، والذي عُلّق في وجه الأفق ليبقى الشعور بالذنب تجاه ما فعلته اوروبا باليهود، هو العين الوحيدة التي ترى نصف المشهد وتغذية بشعور تصنعه مؤسسات متكاملة، تجمد تاريخ كل القارة العجوز عند تلك اللحظة، لتظل قلقة تتلوى من الشعور بالندم على ما فعلت مع ضحيتها، لكن وفي نفس الوقت لم تكن تريد أن ترى ماذا فعلت بنا أيضاً عندما أرسلت يهود أوروبا وكل العالم إلى فلسطين، لأنها تدرك أن هذه الحقيقة التي أرادت تجاهلها إنما هي استبدال الخطأ بالخطيئة، فما كان يمكنها أن تقبل إهانة نفسها وثقافتها وقيمها التي كتبتها على جدار بارز حول حق الانسان بالحرية والكرامة والمساواة. لقد قدمت ذلك للعالم المعاصر بكونه هويتها الخاصة والأنيقة.
وبقيت في حالة (حب) مع إسرائيل التي (تنتمي) للغرب بالرغم من أنهم أوقعوها على الشرق المختلف، كانت معادلة شاذة أدخلت أوروبا نفسها في حالة خوف دائم من معرفة الحقيقة، حقيقة الفلسطينيين وقضيتهم العادلة بل وحقيقة أوروبا نفسها.
خروج الملايين من المتضامنين مع فلسطين، وسقوط صورة إسرائيل في عواصم العالم كان الحقيقة التي عادت بقوة، ليس فقط لتظهر حقيقتها التي ضبطت متلبسه وهي تقتل الأطفال والنساء، بل لتظهر حقيقة فلسطين التي كانت تدافع عن قيمة الحرية التي يتوق لها كل البشر، لحظة كاشفة في التاريخ ستحرر الزمن القادم، وتحرر معه أوروبا التي ستفيق وقد استعادت ضميرها الذي كان غائباً في سفينة حملت يوما مهاجرين يهود إلى ميناء يافا قبيل النكبة.