مقالات مختارة

الإصرار الإسرائيلي سيخدم الأميركيين في النهاية

 

بقلم: إيال زيسر


لقد كانت الولايات المتحدة هي الأولى التي وقفت إلى جانبنا ومنحت إسرائيل عناقا حارا بعد هجمة الإرهاب الإجرامية لـ»حماس» في 7 أكتوبر. ومنذئذ يواصل الأميركيون تقديم المساعدة الاقتصادية والعسكرية السخية لنا، ومهم بقدر لا يقل – مظلة سياسية في الساحة الدولية أيضا، وهي ساحة متهكمة بل ومعادية لإسرائيل.
الدعم والإسناد الأميركيان كانا ولا يزالان احد المداميك الأساس لمبنى عظمة إسرائيل وأمنها، وهما يساهمان ليس فقط في حصانتنا بل وأيضا في قدرتنا على إن نردع أعداءنا. فبدون التهديدات الصريحة من الرئيس بايدن كان يمكن لحسن نصر الله وأسياده الإيرانيين أن يغريهم توسيع الحدود ومدى المواجهة التي يديرونها ضدنا.
غير أن الوجه الآخر من العملة، وفي واقع الأمر العناق الأميركي إياه، هو أن فيه ليس فقط منح الدفء وإحساس الأمان بل وأيضا ما يقيد ويضيق على خطانا، إذ إن الأميركيين يعانقوننا بقوة لدرجة أننا لا يمكننا أن نتحرر من عناقهم.
لا يمكن اتهام القيادة الإسرائيلية في أنه في لحظة الضائقة، وربما أيضا فقدان الصواب، ألقت بنفسها في اذرع الأميركيين. لكن من المهم أن نتذكر بأن إسرائيل حرصت دوما على أن تشرح لهؤلاء الحلفاء أن خصوصيتها وفضلها هو أنها بخلاف حلفاء آخرين لواشنطن في أرجاء العالم، لا تحتاج لجنود أميركيين يحموننا من أعدائنا، وكل ما تحتاج واشنطن عمله هو الحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل – ونحن سنعرف كيف نخوض حربنا. والآن، سارع الأميركيون لأن يبعثوا حاملات طائرات إلى منطقتنا كي يحمونا، وربما حتى أن يخوضوا حربنا.
لا غرو أن الأميركيين يعملون على تقييد حرية المناورة والعمل لإسرائيل. وهم يسعون لأن ينتقل الجيش الإسرائيلي إلى القتال بقوى متدنية في القطاع، يمتنع عن الاحتفاظ به، بل ويطالبون بإدخال المساعدة لسكان القطاع، التي تسمح لـ»حماس» بمواصلة حكمها. في المستقبل، يسعى الأميركيون لنقل القطاع إلى حكم السلطة الفلسطينية، وربما سيسلمون باستمرار حكم «حماس» فيه أيضا.
ما ينبغي أن يقلق هو ليس مجرد وجود الخلافات وحتى عدم توافق بين الأصدقاء، بل حقيقة أن في أساسها توجد رؤية أميركية بعيدة المدى تنظر إلى المنطقة ومشاكلها بعيون غربية، وكأن المجتمع الفلسطيني، وفي واقع الأمر عموم المجتمعات العربية، هي مجتمعات غربية قيمها قيم غربية. والاهم من ذلك هو أن المنطق الذي يوجهها ويوجه زعماءها هو منطق غربي. لهذا السبب ضغط الأميركيون على إسرائيل بالموافقة على أن تتنافس «حماس» في انتخابات السلطة الفلسطينية في العام 2006، على أمل أن يؤدي الأمر إلى اعتدالها، بل وطالبوا إسرائيل أيضا ألا تمس بالبنى التحتية اللبنانية في حرب لبنان الثانية، وهكذا حرمونا النصر الذي كان سيمنع تحول «حزب الله» ليصبح تهديدا ذا مغزى كبير على إسرائيل. ولهذا فقد دعموا أيضا بحماسة ثورات الربيع العربي، ولعلهم الآن يلقون بحماستهم على السلطة الفلسطينية وعلى حكومة لبنان كمن سيلجمون «حماس» و»حزب الله».
الثمن دفعته إسرائيل، وستدفعه في المستقبل أيضا – مثلما سيدفعه حلفاء آخرون لواشنطن في المنطقة. ينبغي فقط الأمل في أن يكون الأميركيون واعين بأن للحرب ضد «حماس» توجد هذه المرة مضاعفات عالمية ستؤثر على مكانة واشنطن في أجزاء أخرى من العالم. ففشل إسرائيل في تحقيق أهداف الحرب سيعد في نظر العالم فشلا أميركيا وسيمنح ريح إسناد لكل أولئك الذين يريدون تحدي الولايات المتحدة وتهديد حلفائها في أرجاء العالم، ابتداء في الصين وكوريا الشمالية وانتهاء بروسيا.
إن الصداقة مع الولايات المتحدة هي ذخر علينا أن نحافظ عليه من كل ضر، لكن الأميركيين سيقدروننا اكثر إذا ما وقفنا عند رأينا، وفي نهاية المطاف سيشكروننا حين يتبين لهم أن الإصرار الإسرائيلي سيخدمهم هم أيضا. هكذا حصل عندما قصفنا في حزيران 1981 المفاعل الذري في العراق. شجب الأميركيون الهجوم بحدة وفقط بعد عقد من ذلك، حين خرجوا لمقاتلة صدام حسين بعد أن اجتاح هذا الكويت، اعترفوا بخطئهم.

 

عن إسرائيل اليوم

Loading...