الجزيرة وأشياء أخرى

 

 

 

إغلاق ومنع قناة الجزيرة شيء من أشياء كثيرة تعبر عن العقل والمنهجية التي تتعاطى فيها السلطة الفلسطينية مع قضايا الشعب الفلسطيني، فبدل أن تعيد السلطة النظر في طريقة معالجة موضوعة جنين تراها تذهب لإغلاق ومنع قناة الجزيرة!

هذا ليس دفاعاً عن قناة منحازة إلى حد بعيد وتسعى لتسييس الخبر وتوظيفه خدمة لرؤية هي اختارتها، فالجزيرة كمعظم وسائل الإعلام نراها توظف الخبر وتطوعه لخدمة رؤية ما ترى نفسها جزءاً منها أو ممثلة لها، وإن كانت قد ذهبت الجزيرة إلى حد أبعد في هذا الاتجاه فإن قرار الإغلاق والمنع لا يحل المشكلة بل ربما يفاقمها.

يبدأ الحل من الاستجابة للرأي العام الفلسطيني الذي يجمع على التراجع عن الحلول الأمنية والذهاب إلى تسوية سياسية اجتماعية تحفظ هيبة السلطة وسيادة القانون ودم أبناء شعبنا ومشروعية المقاومة، وهذا الحل ممكن، بل وممكن جداً، وقد تنادى العشرات إن لم نقل المئات من الحريصين من أبناء شعبنا للعمل عليه ولكنهم للأسف لم يجدوا استجابة كافية له وخاصة في أوساط السلطة.

وهكذا فإن العقل الفلسطيني السائد يتعاطى مع نتائج سياساته على اعتبار أنها المشكلة ويتجاهل تماماً أن السبب الحقيقي للمشكلة هي أخطائه نفسها. وعندما يتم بالتوازي علاج الاسباب الحقيقية للمشكلة يكون منطقي ومبرر علاج تداعيات تلك الأخطاء. والأمثلة على ذلك كثيرة، وحتى عندما نناقش خطأ أن تنفرد حماس بقرار الحرب فإننا نتجاهل الفرص الضائعة لإنهاء الانقسام والتي لو استغلت لكان من الممكن تجنب كل هذه الحرب التدميرية، وحتى في ظل الخلاف عن سبب تضييع الفرص هذه وإن كانت حماس شريكة في ذلك فإن واحدة من تلك الفرص على الأقل تتحمل السلطة الفلسطينية المسئولية الكاملة عن إضاعتها وهي إلغاء الانتخابات التي كان من المقرر إجراءها عام 2021 والتي وافقت حماس عليها وانخرطت فيها. وهذا مثال آخر قد يكون هو الأكثر خطورة في العشرين سنة الماضية، والأهم وبدلاً من استخلاص النتائج من تلك الحرب وإعادة توحيد المرجعية السياسية الفلسطينية عبر منظمة تحرير موحدة وديمقراطية ونظام سياسي قائم على الديمقراطية والانتخابات تذهب السلطة إلى اجراءات تكرس الواقع الحالي الذي يكرس الحالة الكارثية السائدة.

أداء الجزيرة المثير للإشكال هو أحد تداعيات لمشكلة أكبر هي العلاج الأمني لقضية تعالج بالحوار والسياسة والاتفاق على استراتيجية فلسطينية موحدة، وحرب غزة هي أحد تداعيات إضاعة فرصة الانتخابات التي توحد النظام السياسي الفلسطيني، لنتوقف عن علاج التداعيات ولنعالج السبب الحقيقي للمشكلات وبذلك نقطع الطريق على المتربصين والأعداء والمتآمرين.

المشكلة هنا، وتبدأ من هنا، وتنتهي هنا، مشكلة المشاكل وأزمة الأزمات هي نظام فلسطيني قائم على قبول الآخر المختلف والانتخابات الديمقراطية النزيهة واستراتيجية موحدة ملزمة للكل الفلسطيني، ولا شرعية لفرض الاستراتيجيات والمعالجات الأمنية. 

 

 

 

Loading...