كيف تتحرك إسرائيل وكيفية المواجهة؟!

 

 

 

أعتقد أن الكثيرين ممن يتابعون الملف الإسرائيلى الفلسطينى قد يتفقون معى فى أننا انتقلنا منذ عملية «طوفان الأقصى» التى بدأت فى 7/10/2023 من مرحلة «اللا يقين» إلى مرحلة «اليقين» التى تجمع بين السياسات الهادفة والإجراءات الواضحة المحددة، حيث إن جميع العمليات التى قامت بها إسرائيل فى المنطقة منذ هذا التاريخ لم تكن مفاجئة بل سارت طبقاً لخطة تراتبية، وهوما دفع رئيس الوزراء «نيتانياهو» أن يصرح بأن «إسرائيل تغير وجه الشرق الأوسط»، هذا بغض النظر عن العوامل التى ساعدت إسرائيل على أن تستثمر الفرص من أجل تنفيذ مشروعها فى المنطقة.

وإذا كنت أتحدث عما أسميه «المشروع الإسرائيلى» فلابد أن أؤكد أن تنفيذ هذا المشروع لا يزال فى بداياته، وهو ما يعنى أننا سوف نشهد مزيداً من الخطوات الإسرائيلية التى تمت بلورتها فى إطار خطة واضحة ساهمت فيها الظروف الصعبة التى تمر بها المنطقة العربية من مشكلات وصراعات وتدخلات خارجية، والتى كانت بمثابة المدخل الرئيسى لوضع هذا المشروع موضع التنفيذ.

ولابد أن أقف هنا عند نقطة شديدة الأهمية سوف تساعدنا على التعرف على جوهر المشروع الإسرائيلى، وأعنى هنا كيف تفكر إسرائيل وماهى سياساتها خلال عام 2025؟ وفى رأيى أن إسرائيل تتحرك فى الإطار التالى:

التحول من إستراتيجية «إدارة الصراع» مع الجانب الفلسطينى إلى ما أسميه إستراتيجية «إدارة الأمر الواقع»، الذى سوف تحاول فرضه على الجميع بجميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

إن العمليات العسكرية التى نفذتها فى كل من قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وسوريا تمت تحت مبرر التحدى الوجودى، ورسمت نتائج جديدة على الأرض لايمكن التنازل عنها إلا فى إطار تسويات تحقق أهدافها الأمنية.

إن المناخ أصبح ممهدا أكثر من ذى قبل من أجل اتخاذ قرارات لم تكن قادرة على اتخاذها فى فترات سابقة، خاصة فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية أو على أجزاء كبيرة منها تحت ادعاءات الضرورات الأمنية وذلك بالتوازى مع الاستمرار فى تفكيك الأذرع الإيرانية، وهى هنا مدعومة من الائتلاف الحاكم وبقبول مسبق من الرئيس «ترامب».

إن استخدام القوة المفرطة أصبح خيارا رئيسيا فى المشروع الإسرائيلى بحيث لم تعد تربط هذا الخيار بضمان الأمن فقط وإنما بتحقيق السلام أيضا.

استثمار الولاية الثانية للرئيس «ترامب» فى استكمال دعم واشنطن للموقف الإسرائيلى فى ثلاث قضايا رئيسية، الأولى عدم إقامة الدولة الفلسطينية طبقا للرؤية العربية، والثانية استئناف مسار التطبيع العربى، وتحديدا مع السعودية، والثالثة تدمير القدرات النووية لإيران.

إذن نحن أمام مرحلة تضفى مزيدا من السلبية على مستقبل القضية الفلسطينية من بينها التغول الإسرائيلى، وغياب التحرك العربى المضاد، بالإضافة إلى أزمة غزة ومتطلبات مرحلة اليوم التالى التى ستكون أصعب كثيرا من فترة الحرب نفسها، خاصة مع وضوح بعض التوجهات الإسرائيلية وأهمها عدم الانسحاب من غزة والحديث عن عودة الاستيطان إلى القطاع. وفى ظل هذا المناخ شديد الإحباط تتضاءل خيارات التحرك المطروحة لتغيير المعادلة الراهنة التى تحقق فيها إسرائيل نتائج على الأرض، ورغم ذلك فلا مفر أمامنا سوى أن نواجه الإجراءات الإسرائيلية بخطوات واضحة وعاجلة، تبدأ بأن تكون هناك تحركات مزدوجة فلسطينية وعربية، وإننى على اقتناع بأن أى خطوات جادة نقوم بها سوف تحد من الطموحات الإسرائيلية الجامحة.

على المستوى الفلسطينى وهو صاحب المسئولية الأولى، لابد أن تتم بلورة مشروع وطنى يجمع الكل الفلسطينى فى إطار تثبيت مبدأ المشاركة السياسية ودون إهدار الوقت فى متاهات المصالحة، وأعتقد أن هناك إمكانية لتحقيق ذلك مادام هناك اتفاق على الثوابت وأهمها أن منظمة التحرير هى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى ولامساس بها، وإقامة الدولة الفلسطينية على خطوط 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن يتم ذلك من خلال المفاوضات.

وبالتوازى مع المشروع الوطنى يجب على الجانب الفلسطينى أن يعلن بوضوح رؤيته المتكاملة لحل القضية الفلسطينية، وأن تكون هذه الرؤية قادرة على مخاطبة المجتمع الدولى حتى ننجح فى تحويل القضية من قضية إنسانية تتعلق بفتح المعابر وإدخال المساعدات إلى قضية سياسية وأزمة شعب محتل يرنو فقط إلى التحرر وليس إلى التوسع والاستيطان.

وفى ضوء ذلك تصبح المسئولية العربية واضحة ومنطقية، حيث إنه عقب انتهاء الجانب الفلسطينى من بلورة المشروعين الوطنى ثم السياسى وهو أمر يجب أن يتم فى أسرع وقت ممكن، يجب على الدول العربية أن تحمل المشروع السياسى إلى البيت الأبيض، باعتبار أن هذه هى الرؤية العربية الشاملة التى سوف تؤدى إلى تسوية أهم قضية شائكة فى المنطقة، وبما يحقق فى النهاية الهدف الأمريكى، وهو تأمين إسرائيل ودمجها فى المنظومة الإقليمية، ولكن بشرط منح الفلسطينيين حقوقهم.

وحتى يكون التحرك العربى عمليا أرى أهمية عرض (صفقة) على الرئيس الأمريكى بحيث إن إنجازها سيكون تطورا إيجابيا لصالحه لم يحدث منذ سنوات طويلة، ومفادها أن يوجه «ترامب» خلال الأشهر الثلاثة الأولى من توليه الحكم دعوة إلى الرئيس الفلسطينى «أبومازن» ورئيس الوزراء الإسرائيلى «نيتانياهو» إلى البيت الأبيض لتحديد وإعلان مبادئ عامة للتسوية مقبولة من الجميع، ثم إطلاق العملية التفاوضية ـ بشقيها الإجرائى والموضوعى ـ بين الجانبين سواء فى واشنطن أو شرم الشيخ، أو أى مكان يتفق عليه. وفى النهاية فإن مجرد بدء عملية التفاوض سوف تكون لها تأثيرات إيجابية على الموقف فى المنطقة ككل، ونصيحتى هنا دعونا نجرب هذا المسار ولو لمرة واحدة ونبدأ التنفيذ، ومن المؤكد أننا لن نخسر ما قد خسرناه فى الحروب الأخيرة، وعلى إسرائيل أن تعلم أننا فى كل الأحوال لن نسلم بمشروعها وهذه هى معركة المصير العربى.

 

 

 

Loading...