ثمة تراجيديا حدثت وتحدث في غزة، وكأنه ثأر برابرة!!!

 

 

 

نحن أمام مرحلة جديدة لها تداعياتها الكارثية، وهل يستوعب أحد ماذا يجري، وما هي النتيجة؟ وكيف لنا أمام هذا الواقع الذي يبدو أنه تجاوزنا بكثير، أن نتكيف مع المشهد في غزة ولبنان وسوريا، هي حرب قد تحولت إلى صراع كبير وربما طويل، تعيد تشكيل الجغرافيا السياسية والإقليمية من جديد، لتكون عملية طوفان الأقصى بداية جهنم، دون رؤية استراتيجية لمحور المقاومة، أو حتى إدراك لحركة حماس ما اليوم التالي، أو الأيام التالية، أو ربما تدرك، وما أدرانا!!، وقد يكون اليوم التالي للحرب أكثر فظاعة من أيام الحرب، ولن يكون أحد بمنأى عنها وستطالهم الفوضى الجيوسياسية في المنطقة.

لعبة الخرائط وصلت للنهائيات، والموضوع ليست غزة، غزة بوابة إلى مرحلة جديدة في المنطقة وهي آخر خط دفاع لتغيير خارطة الشرق الأوسط بما يتلاءم والضرورة الإسرائيلية، فكانت المنطقة العازلة جزء من لعبة الخرائط واقتطاع الجنوب اللبناني والشمال الليطاني مقدمة لاحتلاله وترحيل عرب الجليل إلى لبنان، وإعادة السيطرة على القنيطرة والجنوب السوري، وتهجير سكان غزة والضفة إلى الأردن ومصر وربما إلى سوريا كوطن بديل، لتصفية قضيتهم والقضاء على المقاومة بنقل حواضنها الشعبية خارج الأرض الفلسطينية، ففلسطين مهددة بنكبة أخرى!!.

كم كنتم وحدك! أجل نحن وحدنا، واحد ضد الكل! وهل كنت يوماً إلا وحدك؟؟!! الفلسطينيون "أمة الآلام"، قاوموا وصبروا، فلا أحد يكترث بنا كعرب وكفلسطينيين، بل كيفية ازالة آثارنا ودفننا، فثمة تراجيديا حدثت وتحدث في غزة، التي تعيش الآن نكبة ثانية في حربها المستمرة بين نكبتين، فالمشروع الصهيوني مستمر، بل ويتعاظم، وقد وصل إلى حد الجنون، ولكن أن يموت أبناءهم أمامهم من البرد والجوع، هذا ما يصعب على الإنسان تحمله، إذ لم يكتفي الاحتلال وداعميه من أمريكيين وأوروبيين، بارتكاب كل الموبقات، نهب وتخريب وإبادة جماعية وتهجير وترحيل كعقوبة جماعية، وانتهاك للأعراف والقوانين الدولية، جرائم ضد الإنسانية، وذلك خلافاً لكل المواثيق والأعراف والمعاهدات الدولية، لا قيم تحكم السياسات الأمريكية الإسرائيلية، ومع ذلك لا تتوانى إسرائيل اليوم عن إبادة الآلاف من سكان غزة، فيما كثيرون آخرون لا يزالون تحت الأنقاض، وطرح علني لتهجير جماعي للفلسطينيين قسراً، ويؤكد ما هو ماضيه به إسرائيل، "فالبنية العقائدية التوراتية لإسرائيل هي بنية ترحيل، وإسرائيل دولة صافية ليس من الآن بل منذ المؤتمر الصهيوني الأول، وإذا قامت الدولة الفلسطينية فهي خنجر بخاصرة يهوا، بخاصرة الله، فنحن نقاتل البرابرة"، فهم يرون في الجثث المكدسة في الشوارع، أو تحت الأنقاض ضرورة إلهية لتطهير أرض الميعاد من تلك الحيوانات البشرية.

وقد كُتب على الفلسطينيين وحدهم مواجهة إسرائيل بلحظة تاريخية في زمن السقوط، سقوط العالم المتحضر وغير المتحضر على السواء، خيام متناثرة تعيد بذاكرتهم فصلاً كان قد مر به أجدادهم قبل 75 عاماً واليوم حان دورهم ليعشوا مرارته في واقعهم بمكان مزدحم بمن تقطعت بهم السبل ناجون من تحت الركام أو فارين من الغارات مكان لا تتوفر به أدنى مقومات العيش ظروف لا تمت بالإنسانية بصلة، بانتظار شجب وتنديد وإعراب العرب.. يا لضعفنا!!!

وعندما يعجز العرب عن القيام بواجبهم تجاه غزة وأهلها، فإننا سنشاهد أفلاماً تعد سيناريوهاتها في الغرف المظلمة للتضامن مع إسرائيل، تاجرتم في القضية منذ النكبة، واليوم تتاجرون بدماء الأطفال وجوعهم، وتستخدمون القضية الفلسطينية ورقة تفاوضية لإحلال السلام الموهوم، الذي لا يمكن لمنطق الاحتلال وبنيته المتسلطة أن تقبلان به، قطر تتصدر المشهد التفاوضي تحت شعارات تستفيد من القضية الفلسطينية ولا تفيدها، مزايدات وصفقات واستثمارات بمليارات الدولارات، والتدخل في التفاصيل الفلسطينية واللعب بأوراقها إلى جانب استهدافها بشكل متواصل وتعقيد مساراتها، يريدون لجنة إسناد مجتمعي تديرها حماس بغزة بغطاء من الحكومة الفلسطينية وبدون تدخل السلطة الفلسطينية وهذا ما ترفضه السلطة، فتم افتعال توتر وفتنة في الضفة الغربية في جنين، مما يثير الشك لا بل اليقين بخدمة المشروع الإسرائيلي لضم الضفة الغربية "يهودا والسامرة حسب التلمود اليهودي"، والدور المحوري الذي تلعبه قطر بين إيران وحماس وإسرائيل وتعزيز الانقسام الفلسطيني لخدمة أجندات ليست فلسطينية، والوفود الإسرائيلية التي تستقبلها قطر لتفاوض خالد مشعل بالملحقات السرية لصفقة الغاز المقابل لشواطئ غزة، بدلاً من قوائم الأسرى التي لا تحتاج شلالات دم لإنجازها، والسؤال لقيادات حماس المقيميين في قطر، هل ما نتج عن حرب غزة يعادل الخسائر البشرية والمادية ؟!!

 في الوقت الذي يخدم فيه البعض إسرائيل، هناك آخرون يعملون إلى جذب الأنظار إلى فلسطين "فهي البوصلة وهي المزار"، وفي الوقت الذي يعي البعض بانهيار المقاومة لا زالت ضربات المقاومة في اليمن وفي غزة تطال إسرائيل، ولكن ضربة الحروب المعقدة لا تحسم بالضربة القاضية بل بالنقاط، إسرائيل المنتصرة في سوريا فشلت في تحقيق أهدافها في لبنان وغزة، يؤرقها التوتر بالداخل الإسرائيلي والذي أدى إلى هجرة عكسية لما يقارب مليون ونصف مليون إسرائيلي مزدوجي الجنسية، وبلا عودة بسبب الحرب في غزة، الحروب لا تحكمها المادة والسلاح فحسب، "فلولا التغطية اللوجستية الأمريكية والغربية لإسرائيل لشهدنا انهيارها"، بل تحكمها المعنويات والعقيدة القتالية، فمهما كانت المغريات والمحاولات، ومهما كان هناك  ترهيب أو ترغيب، الفلسطيني خلق ليموت ويدفن في فلسطين، بعد التجارب التي مر بها الشعب الفلسطيني أحلاها كان حنظل ومرار في اللجوء والنزوح، وكأن الفلسطينيين هم الذين وفدوا من أصقاع الدنيا لاغتصاب الأرض، واقتلاع أهلها، وكأن المقاومة ليست نتاج مائة عام من الاحتلال والمجازر والاعتقال، لكي ينتقد الإعلام الغربي العقوبات الجماعية بحق أهل غزة، أبعد بكثير من أن يكون ثأر برابرة، أهو سقوط  الرأي العالمي أم سقوط العالم؟!،  فإسرائيل التي تحاول أن تدفن غزة تحت الأنقاض، هي أيضاً تحت الأنقاض، ومثلما نحن نتألم، هم يتألمون.

Loading...