تغير الإقليم ولكن إلى أي اتجاه؟

نتنياهو ووزير دفاعه على الحدود مع سوريا

 

 

 

يستطيع نتنياهو أن يدعي بأنه غير وجه الشرق الأوسط، فالمتغيرات التي رافقت حرب الإبادة المجنونة عميقة إلى الحد الذي أصبحنا أمام شرق أوسط مختلف، سقوط النظام السوري، انتخاب رئيس الجمهورية اللبناني بعد استعصاء لأكثر من عامين، تراجع دور ومكانة المحور الإيراني، كلها متغيرات يمكن التأكيد بأنها تعكس نفسها على الإقليم ككل، ولكن هذا ليس كل شيء، وربما تكون المتغيرات الغير ظاهرة على السطح هي الأكثر أهمية، وهي التي يفترض أن تؤخذ بالاعتبار، فالمتغير السوري لم تطوى صفحته الأخيرة بعد، وإذا ما كان الحضور الإيراني قد تراجع من سوريا فإن الحضور التركي قد تقدم كثيراً إلى الحد الذي جعل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى أن مستقبل هذا الحضور التركي قد يتحول إلى مستوى حرب وأن هذا الحضور أكثر خطورة من الوجود الإيراني، ولبنان ليس بمنأى عن التأثر عن الوضع في سوريا أيضاً، فالمتغيرات في سوريا دوما تعكس نفسها على لبنان وبأسرع مما يعتقد الكثيرين. واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراض سورية يفتح الباب واسعاً لنشوء مقاومة سورية، صحيح أن النظام القائم لا يرغب في فتح جبهة جديدة والشعب السوري منهك بعد حرب أهلية استمرت عقد وبضعة سنوات، وصحيح أن إسرائيل تسعى لمقايضة انسحابها من تلك الأراضي بإنجازات سياسية ولكن صحيح أيضاً أن سوريا شعبا ونظام لا يستطيع تجاهل السياق التاريخي للصراع ولا حقيقة أن هضبة الجولان محتلة منذ عام 1967. وحتى لو استطاع النظام السوري تجاهل ذلك فلا يستطيع الشعب السوري تقبل هذا.

والمتغيرات الغير مرئية أكثر من هذا وأشد خطورة وأكثر عمقا، سقوط البعد الاستراتيجي للوجود الإسرائيلي على هذه الأرض، التهجير هو عمود الخيمة الإسرائيلية وسقوط هذا في هذه الحرب يعني أن الحقيقية الفلسطينية على هذه الارض ستكون هي التي سترسم معالم المستقبل، لقد حاربت إسرائيل حماس في الشهور الثلاث الأولى من هذه الحرب وحاربت وجود الشعب الفلسطيني سنة بكاملها، لكن هذا الوجود تعمد بالدم والنار وأصبح هو النتيجة الأهم لتلك الحرب، وسقوط مفهوم التهجير في قطاع غزة هو النموذج لما سيجري في الضفة الغربية وبالتالي تم إذا ما تم رسم ملامح المستقبل بصمود فلسطيني شامل فإن سقوط مريع لأهم أعمدة العقيدة الصهيونية سيكون هو الوجه الآخر للصورة.

ولكن حذار من التفاؤل المفرط، فالثابت في الشرق الأوسط هو المتغير، ورمال الشرق المتحركة قد تقود سيرورة الأحداث إلى مكان آخر تماماً، ولم تفرغ إسرائيل كل ما في جعبتها، وحالة الإنكار الإسرائيلية هي أخطر ما يواجه الوضع، فقبل التسليم بتلك الحقائق إسرائيلياً سيكون من الطبيعي أن تقودها حالة الإنكار إلى جنون لا يقل عن جنون حرب الإبادة التي تشنها، هناك أهمية كبرى للساعات الأخيرة التي تسبق سقوط الأوهام الإسرائيلية، فالساعات التي تسبق الفجر هي الأشد ظلمة، وما أطول الليل على من ينتظر.

 

 

 

Loading...