تابع الفلسطينيون حيثما وصلت الشاشات المشهد الحضاري الذي أدّاه أشقائهم اللبنانيون تحت قبة برلمانهم العريق، بانتخاب رئيس للجمهورية بعد أن تعطل هذا الاستحقاق الوطني الدستوري، أكثر من سنتين.
وتابعو كذلك خطاب رئيس الجمهورية المنتخب الجنرال جوزيف عون، الذي تضمن عرضاً وافياً وعميقاً للحالة اللبنانية وما ينبغي أن يُعمل من أجل تعافيها من الأمراض والجراح والأوجاع التي أوصلت البلد إلى حافة الانهيار، ما جعل من اجتماع مجلس النواب لانتخاب الرئيس أقرب إلى معجزة.
لا غرابة فيما حدث فهذا هو لبنان المجبول بالأزمات والصراعات والتدخلات والحروب، إلا أنه القادر دوماً على كسب معركة البقاء والنهوض، واستئناف الحياة والدور، بحيث يجعل ما كان خطراً على الوجود أمراً من الماضي.
لبنان واللبنانيون لهم حضورٌ قويٌ وعميق، ليس في الذاكرة الفلسطينية فحسب، وإنما في الوعي والوجدان. ورغم كل ما حدث في مسارات العلاقة الفلسطينية اللبنانية بحلوها ومرها إلا أن ما ظل مستقراً في العمق وما بقي في الحياة هو الإلهام اللبناني الذي تأثر به الفلسطينيون وتفاعلوا معه.
حين تابع الفلسطينيون المشهد الحضاري اللبناني، مشهد برلمان ينتخب رئيساً نهض في داخلهم سؤالٌ ذو صلة بحكاية الإلهام، فما الذي يمنع ما حدث في لبنان أن يحدث مثله في فلسطين، مع أن الحاجة إليه في فلسطين، أشد إلحاحا من حاجة اللبنانيين إليه؟
ما حدث في لبنان خلال سنوات خلو منصب الرئيس على فداحته وحتى خطره المباشر على مصير البلد، يظل أقل بكثير مما يحدث في فلسطين، حيث حرب إبادة على غزة وحرب سيطرة على الضفة، وحرب إلغاء لقضية مصير، ذلك دون أن يجد الفلسطينيون ما وجده أشقائهم اللبنانيون من رعاية دولية أخرجت البلد في شهور قليلة من الكارثة التي ألمّت به، ليضع أقدامه على طريق التعافي والإنقاذ المصيري.
الدعم الدولي والجهد الذي بُذل من قبل أمريكا وأوروبا والعرب، ارتبط نجاحاً أو فشلاً بالحاضنة اللبنانية التي إن لم تتوفر بتوافق داخلي فكل دعم الكون ساعتها لا يجدي.
في فلسطين لا يتوفر العنصران الأساسيان، اللذان توفرا للبنان وهما التوافق الداخلي وفاعلية الدعم الدولي.
رغم خطورة ما يحدث في فلسطين وهو مصيري، فلا توافق داخلي حتى بالحدود الدنيا، ولا تدخل دولي يفضي إلى النتائج التي أفضى إليها في لبنان.
الإلهام الذي أشعل نفوس وعقول الفلسطينيين وهم يتابعون مسيرة التعافي في لبنان وهي تشق طريقها بنجاح، أنتج سؤالاً لم يجب عليه فلسطينيا رغم الحاجة الملحة إليه.. لماذا لم يحدث في فلسطين ما حدث عند الأشقاء الأقربين؟
الجواب.. بقدر ما يصعّبه الفلسطينيون على أنفسهم نجح اللبنانيون في إيجاده، كما نجح الرئيس المنتخب في اختزاله بجملة واحدة "حين يتوقف الاستقواء بالخارج على الداخل".
حين يتمكن الفلسطينيون من الاقتناع بهذا الجواب تبدأ مسيرة التعافي وتتوفر الفاعلية المطلوبة والكافية لكل راغب في الدعم وإيجاد المخارج والحلول.
في فلسطين وفي اليوم الذي انتخب فيه رئيس الجمهورية في لبنان، تمت آخر انتخابات فلسطينية، وعلى مدى عشرين سنة والحالة الفلسطينية تتردى من سيء إلى أسوأ، أمّا الانتخابات التي هي الممر الاجباري والوحيد لمشاركة الشعب في اختيار قيادته وبناء حياته ومؤسساته فقد ذهبت ضحية للذرائع التي استخدمت لمنع إجراءها كي يبقى القديم على قدمه ويبقى عداد الخسائر يعمل في كل الاتجاهات.