لا ترمب ولا بايدن بل صمود أهل غزة ودمائهم السخية تعيد اليوم إحياء الأمل لإيقاف الإبادة.
لقد جرّب نتنياهو وعصاباته كل أنواع السلاح، قصفوا مدن غزة ومخيماتها، من جباليا إلى بيت لاهيا رفح و بيت حانون إلى أنقاض، أطلقوا الكلاب على المسنين، اقتحموا المستشفيات، هدموا المدارس والجامعات، استهدفوا مقرات الأونروا، أطلقوا النار على المسعفين والمرضى والجرحى ودنسوا دور العبادة، اقتحموا المساجد والكنائس، وهدموا المتاحف، منعوا عن أهل غزة الغطاء شتاءً حتى مات الأطفال بسبب البرد، وحرموهم من الماء صيفاً، قطعوا عنهم الدواء وأجبروا الاطباء على إجراء العمليات وبتر الأعضاء دون تبنيج لإنقاذ أصحابها، وجعلوا نساء غزة يخضعن للعمليات القيصرية دون الحصول على حبة مهدئ، اقترفوا كل ذلك و مازالوا يواصلون التنكيل و القصف لأهل القطاع في محاولة لاستباق الأحداث قبل توقيع اتفاق الهدنة الأحد القادم.
كل ذلك فيما تواصل غزة دفن شهدائها وأحيانا كثيرة لا تتمكن من إكرامهم، ولم يترك أهل غزة أرضهم ولم يتخلوا عن غزة التي تحولت إلى ركام، وتصدوا لكل محاولات التهجير وقاوموا سلاح التجويع بالاقتيات من الصبار والأعشاب، ووضعوا الحجارة على بطونهم لكبت الإحساس بالجوع.
لم يكن لهم مطارات يتوجهون إليها أو سفن تنقلهم خارج غزة، حتى الضفة التي هي امتداد لأرض فلسطين لا يمكنهم الوصول إليها وجعلوا بذلك العالم يشهد على أنهم أصحاب الأرض الساكنة فيهم.
أرض غزة ببحرها وشجرها وكل ما فيها والتي خبروا كل جزء منها فكانت تشبههم في لونها ورائحة ترابها، في المقابل كان اليهود من أصحاب الجنسيات المزدوجة يتدافعون إلى مطارات تل أبيب للعودة إلى أوطانهم الأصلية التي جاؤوا منها للاستيطان في فلسطين ومع كل صاروخ تطلقه المقاومة كانوا يهرعون للهروب إلى الملاجئ والاختباء بها.
وفي انتظار ما يمكن أن تحمله الساعات القادمة بشأن مصير الهدنة التي يحتفي بها أهل غزة بعد كل التضحيات والمعاناة التي تحملوها وبعد الثمن الباهظ الذي قدموه وما زالوا يقدمونه.
لا يزال مصير الهدنة لإنهاء الإبادة في غزة معلقاً، فقد امتهن رئيس الحكومة الإسرائيلي الملاحق من الجنائية الدولية، تكتيك حرب الأعصاب والترويج بانسحاب حماس من الاتفاق وتراجعها عن بعض بنوده وهو ما انتبهت له الحركة وحرصت على تفنيده منذ البداية وذلك قبل ساعات من الندوة المرتقبة في قطر لتوقيع الهدنة وإعلان تفاصيلها. و لاشك أن نتنياهو الذي دُفع قسراً للعودة إلى المفاوضات لتبادل الأسرى لا يريد في قرارة نفسه هذا الخيار الذي سيعني مهما طال أمد الحرب العودة لحل الملفات العالقة وأولها عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 وما رافقها من اتهامات لفريقه الأمني بالفشل في استباق الأحداث رغم التحذيرات الخارجية التي بلغته، والأرجح أن نتنياهو يدرك أن تداعيات أي تقرير في هذا الشأن ستدفع إلى انفراط عقد حكومته الصهيونية الأكثر تطرفا منذ نشأة هذا الكيان والدفع إلى انتخابات مبكرة واستئناف محاكمته وزوجته على جرائم الفساد التي تورطا فيها، وإضافة إلى ذلك فإن التحركات الاحتجاجية في الداخل الإسرائيلي على خلفية التعاطي مع ملف الرهائن والغضب المتفاقم إزاء فشل نتنياهو في إعادتهم رغم التفوق العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي، ورغم اعتماد الذكاء الصناعي في كشف أماكن من بقي من الأسرى لدى حماس. كل ذلك دون تجاهل لغة الأرقام المرتقبة بتفاقم الخسائر في صفوف جيش الاحتلال في غزة، وتفاقم خسائر إسرائيل الاقتصادية التي قدرت حتى هذه المرحلة وحسب المصادر الاسرائيلية بـ 67 مليار دولار والأهم من كل ذلك أن إسرائيل لا يمكن أن تعود مكاناً آمناً لساكنيها رغم كل الاستعراضات العسكرية التي تقوم بها على أكثر من جبهة لإلغاء وجود المقاومة وهي أكثر من يعلم أنه لا يمكن إزالة المقاومة إلا بإزالة الشعب الفلسطيني من الوجود.
وهذه أيضا حسابات تتمنى إسرائيل تحقيقها ولكن تدرك أنها ضربٌ من المستحيل. لكن تبقى المعركة الكبرى في جلب ناتنياهو أمام الجنائية الدولية معركة انطلقت ولا يجب أن تتوقف تحت أي ذريعة كانت.
أخيراً وليس آخراً انتهت ولاية بايدن بعد أربع سنوات وستنتهي ولاية ترامب مثلها ولكن قدر الاجيال المتعاقبة في غزة أن تستمر في معركتها وصراعها ضد الاحتلال وأدواته إلى أن تستعيد حقها المشروع.