كل حركة سياسية حتى لو كانت جذرية في طروحاتها، تسعى إلى الاعتراف بها والتعامل معها.
أميركا دائماً هي الهدف الرئيس الذي تسعى الحركات السياسية إليها. فعلتها منظمة التحرير، حين كانت في أوج قوّتها وحضورها الإقليمي والدولي.
وحتى الخصوم التقليديين لأميركا مثل الصين والاتحاد السوفياتي آنذاك، شجعوا المنظمة على إقامة علاقات مع أميركا حتى لو بالتخلي عن مواقف معينة، كانت تبدو كما لو أنها ثوابت تعيق إقامة العلاقات ولو بمستوى الحد الأدنى مع أميركا.
أقيمت العلاقات بالشروط الأمريكية، لم تكن سرية بل كانت رسمية وعلنية، حيث بدأت في تونس بلقاء بين منظمة التحرير والحكومة الأمريكية، التي مثّلها آنذاك السفير بيليترو.
حماس تقترح حواراً مع أميركا عبر لقاء صحفي أجري مع السيد موسى أبو مرزوق، أفصح فيه عن أن الحوار سيشمل كل شيء، وتعهد فيه بتوفير حماية للمبعوث الأمريكي إذا ما قام بزيارة لغزة.
المشكلة ليست في رغبة حماس، فهي تفاوض إسرائيل أساساً، فلم لا تفاوض أميركا؟ ولا المشكلة في كيفية توفير حماية حمساوية للمبعوث الأمريكي إذا كان مضطراً لها بفعل نقص الحمايات الإسرائيلية والأمريكية مثلاً!!!
المشكلة هي في الشروط الأمريكية المسبقة لفتح أي حوار مع أي طرف فلسطيني.
تقترح مسار على حماس أن تسأل الرئيس محمود عباس عن كيفية بدء الحوار مع أميركا وما هي شروطه، فللرئيس عباس خبرة عملية تفصيلية من خلال إدارته إلى جانب ياسر عرفات للعلاقة مع أميركا، وذلك في سياق المشروع السلمي، الذي تعرف حماس كيف بدأ وكيف انتهى وماهي شروط استئنافه.
إذا ما وافقت أميركا على الحوار ولو من خلال طرفٍ ثالث، فسوف تتلقى حماس رسالة من سطور قليلة... أن تُعلن حركة المقاومة الإسلامية اعترافها بحق إسرائيل في الوجود ضمن حدود آمنة معترف بها، وقد يضاف إليها بندٌ جديد... أن تعترف حماس بيهودية الدولة مثلما هو مطلوب من السلطة في رام الله، ذلك ليس شرطاً للاعتراف بحماس، وإقامة علاقات سياسية رسمية معها، وإنما لمجرد الموافقة على فتح حوار.
إذا ما ردّت حماس بالسلب، فستطوى الصفحة وكأن شيئاً لم يكن، أمّا إذا ردت بالقبول، فستكون نسخة طبق الأصل عن الذين اختلفت معهم وقاتلتهم، وقامت بالانقسام جرّاء سياساتهم كما تقول.
إن انتقال إدارة ترمب من اتفاقها مع إسرائيل على أن القضاء على حركة حماس هو هدفٌ مشترك إلى الحوار معها والاعتراف بها، يبدو مستحيلاً إلا في حالة اعتراف أميركا وإسرائيل معاً بأن الحرب حُسمت بانتصار مطلق لحماس وهزيمة مطلقة لإسرائيل، وهذا لم يتضح بعد والحرب ما تزال مستمرة.
إن المناورة بمسألة على هذا المستوى ووفق موازين القوى التي تقف فيه أميركا وإسرائيل في جانب، وحماس وحدها في الجانب المقابل، يبدو كالمستجير من الرمضاء بالنار.
إن باباً واحداً مفتوحاً أمام حماس، وهو بالمناسبة ليس مضموناً تماماً، هو أن تؤدي اللعبة مع أميركا من خلال منظمة التحرير، والتي تعترف أميركا بها دون أن يعفيها ذلك من أن تسدد الفاتورة الأمريكية المحددة، التي سبق أن سددتها المنظمة وها نحن نرى نتائجها.
أخيراً... لا نشك في أن الإخوة في حماس يعرفون ذلك وسوف يتصرفون وفقاً لما يعرفون.