هو وقف لإطلاق النار... أم تجميل للمذبحة!!

 

 

 

جو بايدن أخفق في فرض وقف لإطلاق النار ووقف المذابح، ونتنياهو لم يفعل في غزة أكثر مما فعلته أمريكا في اليابان وألمانيا، تدمير هائل في قطاع غزة، هي حرب إبادة غير مسبوقة، وتطبيق لنظرية الجيل الرابع من الحرب "دع عدوك يستيقظ ميتاً"، مع التنصل الكامل من أية ضوابط أخلاقية، صاحب النظرية ماكس مانوارينغ يقول "قد تشاهدون أطفالاً أو كباراً في السن، لا تكترثوا، ولا تتركوا الأحاسيس أمام تلك المشاهد تحول دون تحقيق الهدف"، هذا ما حدث ويحدث في غزة.

تبدو غزة عارية بعد توقف القتال، والصور تظهر هول المأساة والدمار، والمذبحة لا ندري ما إذا كانت بقيادة نتنياهو، أم بقيادة بايدن، أم الاثنان معاً، مذبحة كان غالبية ضحاياها من الأطفال ومنهم من تركت له اعاقات دائمة بتر أطراف، شلل، فقدان حواس، أمراض نفسية. توقفت مذبحة غزة وبدأت مذبحة جنين بعد يوم واحد من تنصيب ترمب، بدأت "عملية السور الحديدي" في جنين، في عملية مشابهة لما حدث في غزة، ما هدد به الإسرائيليون يبدو أنه يحدث، لكننا نولد في القبور، ونموت في القبور، ليبدأوا بجثثنا تشكيل الشرق الأوسط الجديد.

ترمب يفرض السلم في غزة بعد نفي آلاف الفلسطينيين ككائنات بشرية، نعم، فعلها ترمب، ونجح، وهو صاحب الهيبة، من خلال عملية تجميل وإقناع المجتمع الدولي أنه قادر، ولكن فيما يتعدى هذا الهدف المرحلي، كان ولا يزال الهدف القضاء على حماس، وهو موقف إدارة بايدن وإدارة ترمب، ترمب كما بايدن، والإدارة الصقورية الجديدة بالإجماع لا تعتبر أن التفاوض جائز مع طرف إرهابي "كما تصنفه"، ولابد لهذا الطرف أن ينتهي وينهزم، ولكن لابد من مجاراة ترمب ومنحه آنياً، ولكنها تعد العدة بأن لا يكون هذا الاتفاق إلا مرحلياً، "المرحلة الأولى فقط"، وتعد العدة للقضاء على حماس هذا ما صرح به ترمب وهذا ما يريده نتنياهو، هو يريد استكمال الحرب وانتصار إسرائيل، ولكن هناك اعتبار آخر ربما اعتبار التفاضل وأغراض الصورة، بـأنني أفضل من بايدن، أنني أنا الرئيس، أنا أمريكا، أنا العالم، وبهيبتي فعلت ومن يتوقع غير ذلك!!.

ترمب قدم نفسه الرجل الذي سينهي الحروب وصانع السلام، ورغم تعهده بإنهاء جميع الحروب بما فيها الصراع العربي الإسرائيلي، وهو "أزمة لا حل لها إلا بالعالم الآخر"، هذا ما قاله هنري كسينجر، ترمب يتفادى حتى ولو من بعيد الإشارة إلى الدولة الفلسطينية كشرط لإرساء السلام كون القضية الفلسطينية هي محور الصراع كما هي محور السلام، واليمين الإسرائيلي الذي يقوم على ايديولوجيا الخوف والكراهية لا يمكن أن يقبل بها، هو يريد استقراراً بالمنطقة بمنظور إسرائيلي، تعهد ترمب بتوسيع إسرائيل لتأخذ مداها التوراتي وفتح دومينو التطبيع، وأي عار للعالم العربي الذي لا مكان له في لعبة الأقوياء، ولعبة الأمم.

اتفاق ببنود غامضة تتحمل أكثر من تأويل ربما هذا مقصود، وربما هناك ملاحق سرية وتفاهمات شفهية بضمانات أمريكية، ولكن بالصيغة الحالية كل طرف يقرأه بشكل مختلف، وأخطر شيء في هذا الاتفاق المرحلة الثانية، وهي الحاسمة التي تتضمن إنهاء الاحتلال وكيفية إدارة قطاع غزة ومن يتولاه، لا يمكن التحدث عن المستقبل السياسي لغزة وإعادة الإعمار قبل وقف إطلاق النار وتحرير المحتجزين، وهو بيت القصيد، لا يوجد أي آليات ملزمة سوى حسن النوايا وهي غير موجودة، أو ضمان بأن يبقى ترمب متفرغاً لهذه القضية، وهو يدرك من يعطل المفاوضات وما هي تفاصيل المفاوضات السابقة، وهنا ستتفجر فيها الكثير من الخلافات سواء فلسطينية- فلسطينية، أو فلسطينية- إسرائيلية في ظل رفض إسرائيل تسليم القطاع للسلطة أو لحماس.

لم يوفقوا إطلاق النار، بل ليجملوا المذبحة، فالآن وقت البراغماتية التي تبحث عن صفقة القتل والتدمير والخراب، لماذا كل تلك الهمجية في هدم البيوت على أهلها؟!، لتقول "إسرائيل باقية فوق صدوركم إلى الأبد"، وقف إطلاق النار قراراً أمريكياً يتعلق بالمسار الاستراتيجي الأمريكي، وأن ما جرى ليس خارطة طريق لانتهاء الحرب، كل ما هناك تقاطعات جيوسياسية مع حضرة الإله الأمريكي، وهي بعض الخطوات الجانبية التي تتعارض مع المسلك الأمريكي الإسرائيلي والسعي للقضاء على خصوم إسرائيل.

سيكون لترمب وحزبه تأثير كبير على الشرق الأوسط وربما مختلف عما هو عليه الآن، والتغيير سيكون تحت مسمى الصفقات، "بازار الشرق الأوسط"، سيكمل ما بدأه لتصفية القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن، والمقايضة على مستقبل الضفة الغربية، ضمن إطار الأمن مقابل السلام بعد أن تم تحضير المنطقة بحرب طاحنة شنها سلفه وحزبه، ها هي غزة حطام وكذلك لبنان، سوريا محاصرة والعراق مفكك، وها نحن نستغيث بالقاتل من القاتل، من غير ترمب يخرجنا من الجحيم، إذا كان الأمر كذلك فالنهايات ليست سعيدة، ترامب سينهي الحرب بضربة أكبر للفلسطينيين والعرب، الفلسطينيون يتوقعون ما هو أشد هولاً في ظل التقاطع بين الجنون الأمريكي والجنون الإسرائيلي، من يعتقد أن هناك قوة في العالم تريد لنا العيش بحرية واستقلالية وديمقراطية لأنه ببساطة سوف تفقد أدوات تحكمها وسيطرتها على مقدراتنا وقرارنا ومصائرنا، هي الوصاية الأمريكية أخيراً، ومتى لم يكن الشرق الأوسط كله تحت الوصاية الأمريكية.

 

 

 

 

Loading...