أكدت حركة حماس الأحد أن “طوفان الأقصى” كان “خطوة ضرورية واستجابة طبيعية” لمواجهة “مخططات” إسرائيل “لتصفية القضية الفلسطينية”، مطالبة بـ”وقف فوري للعدوان” الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقالت حماس في وثيقة طويلة من 18 صفحة بعنوان “هذه روايتنا.. لماذا طوفان الأقصى” وزعتها باللغتين العربية والإنكليزية، “معركة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال والاستعمار لم تبدأ في 7 أكتوبر 2023 وإنما بدأت قبل ذلك منذ 105 أعوام من الاحتلال: 30 عاما تحت الاستعمار البريطاني و75 عاما من الاحتلال الصهيوني”.
وأضافت “كانت عملية طوفان الأقصى خطوة ضرورية واستجابة طبيعية، لمواجهة ما يحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة”، و”إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس”.
ونفت حماس في وثيقتها التقارير الإسرائيلية عن استهدافها مدنيين خلال الهجوم، وقالت إن “تجنب استهداف المدنيين وخصوصا النساء والأطفال وكبار السن، هو التزام ديني وأخلاقي يتربى عليه أبناء حماس”، مضيفة أن “مقاومتنا منضبطة”.
إلا أنها أشارت إلى عدم امتلاك الحركة الفلسطينية “أسلحة دقيقة، وإن حصل شيء من ذلك (طال المدنيين) فيكون غير مقصود”.
واعتبرت أن ما تحدثت عنه إسرائيل حول استهداف مقاتلي حماس لمدنيين إسرائيليين “محض افتراء وكذب”، مشيرة الى أن “مصادر المعلومات التي تدعي ذلك هي مصادر إسرائيلية، ولا توجد مصادر مستقلة تؤكد صحة مزاعمها”.
وأضافت “ربما يكون قد حدث بعض الخلل (….) بسبب انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بشكل كامل وسريع، وحدوث بعض الفوضى نتيجة الاختراقات الواسعة في السياج” الفاصل.
وسبق لمصادر في حماس أن قالت إن عددا من سكان قطاع غزة استغل الفوضى التي رافقت هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر وعبر الى إسرائيل في ذلك اليوم.
وطالبت حماس بـ”وقف العدوان الإسرائيلي فورا” على قطاع غزة ووقف “الجرائم والإبادة الجماعية”، والعمل على فتح المعابر وفك الحصار عن قطاع غزة وإدخال المساعدات.
ورفضت “أي مشاريع دولية وإسرائيلية تسعى لتحديد مستقبل قطاع غزة، بما يتناسب مع معايير الاحتلال ويكرّس استمراره”، مؤكدة على أن “الشعب الفلسطيني يملك القدرة والكفاءة في أن يقرّر مستقبله بنفسه”، و”لا يجوز لأحد أن يفرض الوصاية عليه”.
وفيما يلي نص الوثيقة:
في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة والضفة الغربية. ومع مواصلة شعبنا خوض معركة الحريَّة والكرامة والانعتاق من الاحتلال، وتقديمه أروعَ الأمثلة في البطولة والفداء والصمود في مواجهة آلة البطش والعدوان؛ نودّ أنْ نوضّح لأبناء شعبنا وأمَّتنا وأحرار العالم حقيقةَ ما جرى يوم السَّابع من أكتوبر، ولماذا كان، وما سياقه المرتبط بالقضية الوطنية الفلسطينية، ودحض زيف المزاعم الصهيونية، ووضع الحقائق في نصابها الصحيح.
أولاً: لماذا معركة طوفان الأقصى؟
1)إنَّ معركة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال والاستعمار لم تبدأ في 7 أكتوبر 2023، وإنَّما بدأت قبل ذلك منذ 105 أعوام من الاحتلال؛ 30 عاماً تحت الاستعمار البريطاني و75 عاماً من الاحتلال الصهيوني. والشعب الفلسطيني كان في سنة 1918 يملك 98.5% من أرض فلسطين، ويتمتَّع بأغلبية 92% من السكان، مقابل ما كان لدى اليهود، والذين أتى معظمهم آنذاك عبر الهجرات الاستيطانية المبكرة، وحتى 1948 قبيل إنشاء الكيان الصهيوني، فبالرَّغم من أنَّ الاستعمار البريطاني فتح أبواب فلسطين لهجرة اليهود، وسعى لإيجاد البيئة الأفضل للصهاينة لإنشاء كيانهم، وقام بقمع الشعب الفلسطيني وقهره، إلاّ أنَّ الصهاينة لم يتمكَّنوا إلاَّ من السيطرة على 6% من الأرض، وأن يكونوا 31.7% من السكان. وقد حُرم الشعب الفلسطيني من حقّ تقرير المصير، وقامت العصابات الصهيونية بارتكاب مجازر بشعة وتطهير عرقي أدَّى لسيطرتها بالقوة على 77% من أرض فلسطين، وتهجير أكثر من 57% من شعب فلسطين، ودمَّرت أكثر من 500 قرية وبلدة فلسطينية وارتكبت عشرات المجازر بحق شعبنا لدفعه إلى الهجرة خارج الوطن؛ وذلك تمهيداً لإنشاء الكيان الصهيوني عام1948. وفي سنة 1967 احتلت القوات الإسرائيلية باقي أرض فلسطين؛ أي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، فضلاً عن أراضٍ عربية أخرى.
2)عانى شعبنا طوال عقود من كافة أشكال القهر والظلم ومصادرة الحقوق الأساسية، ومن سياسات الفصل العنصري، وعانى قطاع غزة حصاراً خانقاً مستمراً منذ أكثر من 17 عاماً ليتحوَّل إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، كما عانى القطاع من خمسة حروب مدمّرة؛ في كلٍّ منها كانت (إسرائيل) هي البادئة فيها. وحتّى عندما حاول شعبنا في قطاع غزَّة الاحتجاج السلمي على أوضاعه الصعبة، والمطالبة بحقّ العودة؛ عبر ما عُرف بـ”مسيرات العودة”، لم يتوانَ الاحتلال الإسرائيلي عن قتل أكثر من 360 فلسطينياً وجرح أكثر من 19 ألفاً آخرين، بينهم نحو خمسة آلاف طفل.
3)وفق دراسات إحصائية موثَّقة، منذ سنة 2000 وحتى سبتمبر 2023 (قبيل 7 أكتوبر) قام الاحتلال الإسرائيلي بقتل 11,299 فلسطينياً وجرح 156,768 آخرين، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين. وللأسف فإنَّ الولايات المتحدة وحلفاءَها، لم يلتفتوا إلى معاناة الفلسطينيين وتابعوا تغطية البطش الصهيوني. ولم يتباكوا إلاّ على الإسرائيليين في 7 أكتوبر، ودونما أدلة حقيقيَّة ضد حماس، بالاستهداف المزعوم للمدنيين، ثمَّ قاموا بتوفير الدَّعم المادي والغطاء من جديد للمجازر والمذابح التي قام بها الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين في عدوانه الهمجي على قطاع غزة، والذي يندى له جبين البشرية، وما زالوا يوفّرون الغطاء والدَّعم والذخائر وأدوات القتل والتدمير.
4)لقد تمَّ توثيق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي وفظائعه من قبل مؤسسات الأمم المتحدة ولجان التحقيق والمحاكم الدولية ومنظمات حقوق الإنسان العالمية؛ مثل منظمة العفو الدولية و(هيومن رايتس ووتش)، وحتّى من منظمات إسرائيلية، بالإضافة إلى منظمات فلسطينية متخصصة مشهود لها عالمياً بالكفاءة والنزاهة. وقد مر ذلك كله وما زال يمر دون مساءلة أو عقاب. وعلى سبيل المثال، قام السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة (جلعاد أردان) في 29/10/2021 على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة بتمزيق تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نفسها، في وجه ممثلي دول العالم، وأخبرهم أنَّ مكانه سلة المهملات، بل -إمعاناً في قهر شعبنا – انتُخِب (أردان) نفسه في السنة التالية نائباً لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة!!
5)الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون يتعاملون مع “إسرائيل” منذ إنشائها كـ”دولة فوق القانون”، ويوفّرون الغطاء اللازم لاستمرار احتلالها وقمعها للشعب الفلسطيني ومصادرة المزيد من أرضه ومقدساته وتهويدها، وفرض ظروف معيشية قاسية وبيئات طاردة، فضلاً عن محاولاتهم المستمرة لتهجير شعبنا وإجباره على الرَّحيل عن أرض الوطن. وبالرغم من أنَّ الأمم المتحدة ومؤسساتها أصدرت أكثر من 900 قرار خلال الـ 75 عاماً الماضية لصالح الشعب الفلسطيني؛ إلاَّ أنَّ “إسرائيل” رفضت تنفيذ أيٍّ منها، وكان الفيتو الأمريكي الغربي دائماً بالمرصاد ضدّ أيّ محاولة لإلزام “إسرائيل” بتنفيذ القرارات أو إدانة سلوكها. ولذلك، فإنَّ هذه الدول تُعدّ متواطئة ومتورطة وشريكاً كاملاً للاحتلال في جرائمه التي لا تتوقف، وفي استمرار معاناة الشعب الفلسطيني.
6)حتّى بالنسبة لمسار التسوية السلمية، فبالرغم من اتفاق أوسلو 1993 مع منظمة التحرير الفلسطينية، الذي كان من المفترض أن يؤسِّس لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلاَّ أنَّ “إسرائيل” قامت عملياً بتدمير إمكانية قيام دولة فلسطينية من خلال الحملة الشرسة لمضاعفة الاستيطان والتهويد في الضفة الغربية، وخصوصاً شرقي القدس، ووجد مؤيدو مسار التسوية بعد 30 عاماً من المحاولات أنَّهم أمام حائط مسدود، وأنَّ هذا المسار تسبَّب بنتائج كارثية على قضية فلسطين.
لقد أكَّد المسؤولون الإسرائيليون رفضهم القطعي لقيام دولة فلسطينية، وقبل شهر من طوفان الأقصى، حمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه أمام الأمم المتحدة في شهر سبتمبر 2023 خريطة لكامل فلسطين التاريخية، بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد لُوِّنت كلها بلون واحد وعليها اسم “إسرائيل”. ولم يُحرّك العالم ساكناً؛ وهو يرى عنجهية إسرائيل ومصادرتها لإرادة المجتمع الدولي، وإنكارها لحقوق شعبنا في أرضه ومقدساته وحقّه في تقرير المصير.
7)والآن، وبعد أكثر من 75 عاماً من الاحتلال والمعاناة، وإفشال أيّ أمل بالتحرير والعودة، وبعد النتائج الكارثية لمسار التسوية السلمية، ماذا كان يتوقّع العالم من شعبنا أن يفعل:
*في مواجهة مخططات التهويد والتقسيم الزّماني والمكاني للمسجد الأقصى، وتصاعد وتيرة اقتحامات المستوطنين الاستفزازية للمسجد الأقصى.
*في مواجهة ممارسات ائتلاف اليمين الصهيوني الأكثر تطرّفاً، الذي باشر عملياً معركة حسم للسيطرة على الضفة الغربية من خلال خطة الضمّ، وخطة حسم السيادة على القدس والمقدسات، وخطّة طرد شعبنا وتهجيره من الضفة الغربية.
*وماذا يفعل لإجبار الاحتلال على إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجونه؟ خاصة بعد التنكيل البشع الذي ضاعفوه في ظل حكومة نتنياهو – سموترش- بن غفير.
*وماذا يفعل لإنهاء الحصار الجائر المفروض على قطاع غزَّة؟ الذي جعله يموت موتاً بطيئاً.
*وماذا يفعل في مواجهة توسع الاستيطان في الضفة الغربية بوتيرة غير مسبوقة، وفي مواجهة عنف المستوطنين في الضفة الغربية وجرائمهم، التي وصلت مستويات غير مسبوقة؟
*وماذا يفعل ليحقّق أمل 7 مليون فلسطيني بالعودة إلى ديارهم بعد 75 عاماً من النفي والشتات.
*وماذا يفعل في ظل عجز المجتمع الدولي، وتواطؤ بعض الدول الكبرى لمنع تحقيق حلمه بالدولة، وهو الشعب الوحيد في العالم الذي مازال قابعاً تحت الاحتلال.
*هل كان المطلوب من شعبنا أن يواصل الانتظار والرّهان على الأمم المتحدة ومؤسساتها العاجزة، أم أنَّ الردَّ الطبيعي على تلك الممارسات هو مبادرة شعبنا للدفاع عن أرضه وحقوقه ومقدساته؟! علماً بأنَّه حقٌّ مكفول في القانون الدولي، والشرائع والأعراف البشرية.
انطلاقاً ممَّا سبق، كانت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م، خطوة ضرورية واستجابة طبيعية، لمواجهة ما يُحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والسيطرة على الأرض وتهويدها، وحسم السيادة على المسجد الأقصى والمقدسات، وإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة، وخطوة طبيعية في إطار التخلّص من الاحتلال، واستعادة الحقوق الوطنية، وإنجاز الاستقلال والحرية كباقي شعوب العالم، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
ثانياً: أحداث 7 أكتوبر، والرَّد على ادّعاءات وأكاذيب الاحتلال:
في ضوء الكثير من الاتهامات والادعاءات والمزاعم الإسرائيلية الملفّقة فيما يتعلّق بأحداث يوم 7 أكتوبر وما تلاه من تطوّرات ضمن عملية طوفان الأقصى، فإنَّنا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نوضّح ما يلي:
1)لقد استهدفت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر المواقع العسكرية الإسرائيلية، وسعت إلى أسر جنود العدو ومقاتليه، من أجل إطلاق سراح الآلاف من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، من خلال عملية تبادل؛ ولذلك تركّز الهجوم على فرقة غزة العسكرية الإسرائيلية، وعلى المواقع العسكرية الإسرائيلية في مستوطنات غلاف غزَّة، والتي كانت دائماً تشكّل مصدر قصف وإطلاق النار على غزَّة وأهلها.
وإنْ حصل شيءٌ من ذلك فيكون غيرَ مقصود
2)إنَّ تجنُّب استهداف المدنيين، وخصوصاً النساء والطفال وكبار السن، هو التزامٌ ديني وأخلاقي يتربّى عليه أبناء حماس. ونحن نؤكّد ما أعلناه مراراً بأنَّ مقاومتنا منضبطة بضوابط وتعليمات ديننا الإسلامي الحنيف، وأنَّ استهداف جناحها العسكري هو لجنود الاحتلال، ومن يحملون السلاح ضد أبناء شعبنا. وفي ذات الوقت، نعمل على تجنّب المدنيين، رغم عدم امتلاكنا للأسلحة الدقيقة، وإنْ حصل شيءٌ من ذلك فيكون غيرَ مقصود، وإنَّما في ظل ضراوة المعارك التي نخوضها دفاعاً عن النفس وردّ العدوان، في مواجهة قوَّة عدوانية استعمارية طاغية، تقوم بقتل أطفالنا ونسائنا وشيوخنا ليل نهار، وبكل أنواع الأسلحة الفتاكة والدقيقة.
لقد التزمت حماس منذ انطلاقتها سنة 1987، بتجنّب استهداف المدنيين، وبعد أنْ قام الصهيوني المجرم (باروخ جولدشتاين) بتنفيذ مجزرة في المصلين في المسجد الإبراهيمي في الخليل سنة 1994، أعلنت حماس مبادرة تقضي بأنْ يتم تجنيب المدنيين ويلات القتال، من قبل كل الأطراف، لكنَّ الاحتلال الصهيوني رفض حتّى مجرّد الرّد على تلك المبادرة. وقد كرَّرت حماس ذلك مراراً، لكنَّ الاحتلال الإسرائيلي واصل تجاهله، وتابع قتل المدنيين بكل صلافة وتجاهل.
3)ربَّما يكون قد حدث بعض الخلل أثناء تنفيذ عملية طوفان الأقصى، بسبب انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية بشكل كامل وسريع، وحدوث بعض الفوضى نتيجة الاختراقات الواسعة في السياج والمنظومة الفاصلة بين قطاع غزة ومناطق عملياتنا.
وكما يشهد الجميع، فقد تعاملت حماس بصورة إيجابية مع ملف المدنيين الذين تمَّ أسرهم في قطاع غزة، وسَعت منذ اليوم الأوَّل لإطلاق سراحهم بالسرعة الممكنة، وهو ما حدث فعلاً، خلال الهدنة الإنسانية لمدة 7 أيام، مقابل إطلاق سراح النساء والأطفال من أبناء الشعب الفلسطيني المعتقلين ظلماً وعدواناً في سجون الاحتلال، وهي عمليات اعتقال يمارسها الاحتلال بشكل منهجي على مدى عشرات السنوات؛ ضمن سياسة العقاب الجماعي لشعبنا المخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية.
4)إنَّ ما يروّجه الاحتلال الإسرائيلي حول استهداف كتائب القسَّام لمدنيين إسرائيليين في هجوم يوم 7 أكتوبر هو محضُ افتراء وكذب؛ فمصادر المعلومات التي تدّعي ذلك هي مصادر إسرائيلية، ولا توجد مصادر مستقلة تؤكّد صحة مزاعمها. ومن المعروف أنَّ المصادر الإسرائيلية تلجأ كثيراً إلى إخفاء الحقائق وتزويرها، وإلى محاولة تشويه المقاومة، لتبرير جرائم الاحتلال ضد شعبنا. وقد أثبتت المعلومات لاحقاً انكشاف كذب الرواية الإسرائيلية، التي شرعن الاحتلال على أساسها عدوانه الوحشي على قطاع غزة، وهنا بعض التفاصيل المهمَّة:
لقد أظهرت مقاطع فيديو التقطت في ذلك اليوم، وشهادات لإسرائيليين نُشرت لاحقاً أنَّ مقاتلي القسَّام لم يستهدفوا المدنيين، بل إنَّ كثيراً منهم تمَّ قتله على يد قوات الشرطة والجيش الإسرائيلي نتيجة ارتباكهم.
لقد ثبت يقيناً كذب الادّعاء بقتل أربعين طفلاً رضيعاً، وباعتراف المصادر الإسرائيلية؛ وهي دعاية انتشرت بشكل هائل في الإعلام الغربي، لتعبئته وتحريضه.
إنَّ الادّعاء بقيام المقاومين باغتصاب نساء إسرائيليات، ثبت كذبه، ونفت حماس ذلك بشكل حاسم. وعلى سبيل المثال؛ فالدراسة التي نشرها موقع موندوفايس Mondoweiss في 2023/12/1 تتبّعت بالتفصيل كلّ ادّعاءات الاغتصاب وفنَّدتها.
بحسب تقريري صحيفتي يديعوت أحرونوت 15/10/2023، وهآرتس 18/11/2023 الإسرائيليتين، فإنَّ قتلى مدنيين إسرائيليين عديدين سقطوا نتيجة قصف طائرات الأباتشي الإسرائيلية للمشاركين في مهرجان (نوفا) قرب (مستعمرة رعيم)، حيث قُتل 364 شخصاً، وأنَّ مقاتلي حماس وصلوا للمكان دون علمٍ مسبق بالحفل، وأنَّهم بسبب حالة التداخل مع المحتفلين، قام الطيَّارون الصهاينة بإطلاق قذائفهم ورصاصهم دونما تفريق. ويعترف تقرير يديعوت أحرونوت أنّه سعياً لضرب المهاجمين، ولمنع اختراق السياج ولمنع وقوع أسرى إسرائيليين، قامت الطائرات المقاتلة وطائرات الهليوكبتر الإسرائيلية بضرب نحو 300 هدف معظمها في المناطق التي انتشر فيها مقاتلو حماس خارج قطاع غزة.
أكدت شهادات إسرائيلية أنَّ غارات جيش الاحتلال الإسرائيلي وعمليات جنوده هي التي تسبّبت بقتل عدد كبير من الإسرائيليين الذين تمَّ أسرهم في مستوطنات غلاف غزة، حيث قام بقصف وتدمير المنازل أثناء الاشتباكات مع المقاومة يوم 7 أكتوبر والأيام التي تلته، ما تسبّب بقتل الكثير من المستوطنين الإسرائيليين إلى جانب أفراد المقاومة، وذلك ضمن سياسة وبروتوكول (هانيبال) الإسرائيلي الذي يُفضّل قتل الأسير الإسرائيلي على بقائه حياً أسيراً في يد المقاومة. وقد مارس الاحتلال أبشع الجرائم في عدة حالات عبر قصف وقتل مقاومينا ومن معهم من أسرى في أثناء اقتيادهم إلى قطاع غزَّة.
ومن الأدلة الإضافية على ما سبق، تغيير سلطات الاحتلال لأعداد القتلى الإسرائيليين يوم 7 أكتوبر، حيث تحدثت بداية الأمر عن مقتل 1,400 إسرائيلي ما بين جندي ومستوطن، ثمَّ عادت بعد أسابيع من الهجوم لتقلص العدد إلى 1,200، بمبرّر أنَّ نحو مائتي جثة متفحمة تبيَّن أنَّها تعود لمقاتلين من كتائب القسام. والأسئلة التي تُطرح هنا: أليس الذي قصف هؤلاء بحيث اختلطت جثثهم مع جثث الإسرائيليين، هي القوات الإسرائيلية نفسها؟ ومَنْ غيرُ الجيش الإسرائيلي الذي يملك طائرات وأسلحة تؤدّي إلى قتل وحرق كلّ هذا العدد؟ بالإضافة إلى أنَّ آلة الكذب الإسرائيلية أضافت أعداد شهداء القسَّام إلى أرقام قتلاها لأكثر من شهر، لتتاجر بهم إعلامياً، قبل أنْ يتبيَّن من مصادر إسرائيلية عدم صحّة هذه الادّعاءات كما ورد أعلاه.
إنَّ جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزَّة وعمليات القصف والتدمير التي أدَّت خلال العدوان إلى مقتل نحو 60 أسيراً إسرائيلياً، تكشف بشكل واضح لا يترك مجالاً للشك عدم اكتراث الاحتلال بحياة أسراه من الجنود والمستوطنين، واستعداده للتضحية بهم من أجل تجنّب دفع أثمان مقابلة.
5)في المقابل، هناك أعداد من المستوطنين المسلّحين في غلاف غزَّة، اشتبكوا يوم 7 أكتوبر مع أفراد المقاومة وشاركوا في العمليات العسكرية إلى جانب قوات الاحتلال. والذين قُتلوا من هؤلاء سُجّلوا إسرائيلياً كقتلى مدنيين.
6)ربَّما لا يعرف كثيرون أنه عند الحديث عن المدنيين الإسرائيليين، فإنَّ كلَّ الإسرائيليين فوق 18 عاماً مكلّفون بالتجنيد الإجباري (الذكور لمدة 32 شهراً، والإناث لمدة 24 شهراً)؛ بحيث يصبح الجميع قادرين على القتال، وفق نظرية الأمن الإسرائيلي، التي تؤمن بفكرة “الشعب المسلّح”، والتي جعلت من الكيان الإسرائيلي “جيشاً له دولة”، وليس “دولة لها جيش”!!
7) إنَّ القتل الوحشي للمدنيين هو سلوكٌ منهجي للكيان، يتعمّد من خلاله إذلال وتطويع الشعب الفلسطيني، وعدد الشهداءالهائل من النساء والأطفال في هذا العدوان على قطاع غزَّة يثبت ذلك.
8)ولعلّ الدراسة التي نشرتها الجزيرة التي تثبت أنَّ معدل القتل اليومي الإسرائيلي لأطفال غزَّة، خلال شهر من عدوانها، يصل إلى 136 طفلاً يومياً، بينما كان معدل قتلى الأطفال في حرب أوكرانيا أقل من طفل واحد يومياً.
9) إنَّ أولئك المدافعين عن التوحّش الصهيوني، لا تعنيهم القراءة الموضوعية للأحداث ولأحجام الخسائر والضحايا؛ إذ يذهبون لتبرير المذابح الصهيونية باحتمال وقوع “أخطاء” أثناء مهاجمة قوَّات الاحتلال لمقاتلي حماس وقوى المقاومة، بينما لايطبقون احتمال “الخطأ” ذاته في أثناء اقتحام المقاومة لغلاف غزة يوم 7 أكتوبر، مع ملاحظة أنَّ أيَّ مقارنة موضوعية تصب بشكل كاسح لصالح المقاومة.
10) نحن على ثقة بأنَّ التحقيقات النزيهة والمستقلة، سوف تؤكّد صدق روايتنا وكذب مزاعم الاحتلال، الذي أثبتت كلُّ المعطيات خلال العدوان على غزَّة ممارسته الكذب والخداع والتضليل، بما في ذلك مزاعمه بخصوص استخدام المقاومة للمستشفيات مقرّاً للقيادة وإدارة العمليات العسكرية، ومكاناً لاحتجاز الأسرى، وما حصل في مستشفى الشفاء خير دليل على كذب الاحتلال وزيف مزاعمه، ونحن واثقون من أنَّ أيَّ تحقيق موضوعي مستقل سوف يكون لصالح الرواية الفلسطينية.
ثالثاً: نحو تحقيق دولي نزيه:
لقد انضمت فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، ووقّعت على الانضمام لميثاق روما المؤسِّس للمحكمة. وعندما طلبت التحقيق في الجرائم التي ارتُكبت وتُرتكب على أراضيها، واجهت صلفاً إسرائيلياً ورفضاً للخطوة، بل وسعت سلطات الاحتلال لمعاقبة الفلسطينيين على ذلك، والمؤسف أنَّ كبرى الدول التي تتغنّى بشعارات العدالة والتي انحازت للاحتلال في عدوانه الأخير، هي عينها التي حاربت فلسطين وما تزال بسبب انضمامها للمحكمة الجنائية الدولية، لأنَّها تريد لـ”إسرائيل” أن تبقى دولة فوق القانون، وأن يُفلت مسؤولوها من المساءلة والمحاسبة.
ومن هنا، فإنَّنا ندعو تلك الدول، ولا سيّما الولايات المتحدة وألمانيا وكندا وبريطانيا، إذا كانت معنية بالعدالة حقاً كما تدّعي، أنْ تعلن عن دعمها لمسار المحكمة للتحقيق في كلّ الجرائم التي اقترفت في فلسطين المحتلة، ولتساعد في مضيّ المحكمة في تحقيقاتها بشكل فعّال.
وفي ضوء ما سبق، وبالرَّغم ممَّا يساورنا من شكوك وعدم ثقة للأسباب التي أوضحناها، فإنَّنا ندعو المحكمة الجنائية الدولية، ولا سيّما المدّعي العام وفريقه التحقيقي ولجان التحقيق الأممية المعنية، إلى القدوم بشكل عاجل وفوري إلى فلسطين المحتلة، من أجل التحقيق في الجرائم والانتهاكات كافة، وعدم الاكتفاء بالمراقبة عن بعد والوقوف على أطلال قطاع غزَّة، أو الخضوع للقيود الإسرائيلية.
وحين توجّه شعبنا لمحكمة العدل الدولية قبل أقلّ من عام، لاستصدار فتوى بخصوص قانونية استمرار الاحتلال ومسؤولية المجتمع الدولي عن إنهائه، لم تتوانَ الدول الداعمة للاحتلال في رفض الخطوة ومحاربتها. وقبل ذلك، عندما حاول شعبنا مقاضاة مجرمي الحرب من قادة الاحتلال أمام المحاكم المحلية في عدة دول أوروبية، عبر ما يُعرف بالاختصاص القضائي العالمي، أوصدت في وجه شعبنا كلّ الأبواب.
إنَّ أحداث 7 أكتوبر يجب أن توضع في سياقها الأوسع، وأن تُستحضر حالات النضال التحرّري من الاستعمار والاحتلال الأجنبي أو الفصل العنصري في العالم في التاريخ المعاصر. فكلّها تجارب تظهر أنَّه بمقدار ما كان هناك اضطهاد من قبل المحتل، فإنَّ ذلك كان يستجلب ردّاً ومقاومة أكثر قوَّة من قبل الشعب الخاضع للاحتلال. وإنَّ استمرار هذا الاحتلال يمثل تهديداً لأمن العالم واستقراره.
إنَّ الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة والعالم، بل وحتى في تلك الدّول الدَّاعمة للعدوان الإسرائيلي، تدرك مدى الكذب والخداع الذي تمارسه حكومات تلك الدول في سعيها للبحث عن مبرّرات لتسويغ انحيازها الأعمى للاحتلال وتواطئها مع جرائمه؛ فهذه الدول لا تريد أن تعترف بأنَّ جذر المشكلة وأصل الأزمة هو وجود الاحتلال ومصادرته لحق الشعب الفلسطيني في العيش بحريَّة وكرامة في دولته وعلى أرض وطنه، كما أنَّها لا تريد أن تعترف بحقّ الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وعن أرضه ومقدساته وحقوقه، ولا تبدي أيَّ اهتمام باستمرار الحصار الجائر على ملايين الفلسطينيين، ولا تعبأ بآلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
إنَّنا نحيّي كل أحرار العالم، من البلدان كافة، ومن جميع الأديان والقوميات والاتجاهات؛ الذين خرجوا في كل عواصم العالم معبّرين عن رفضهم لجرائم الاحتلال ومجازره الوحشية، ومساندين لحقوق شعبنا الفلسطيني في التحرير، انطلاقاً من قناعتهم بأنَّ القضية الفلسطينية قضية حريَّة وعدالة وكرامة إنسانية، في مواجهة احتلال بغيض وسياسة فصل عنصري وتدمير منهجي وإبادة جماعية.
رابعاً: تذكير للعالم من هي حماس؟
إنَّ حركة حماس هي حركة تحرّر وطني ذات فكر إسلامي وسطي معتدل، تنبذ التطرّف، وتؤمن بقيم الحقّ والعدل والحريَّة، وتحريم الظلم، كما تؤمن بالحريَّة الدينية والتعايش الإنساني الحضاري، وترفض الإكراه الديني؛ وترفض اضطهاد أيّ إنسان أو الانتقاص من حقوقه على أساس قوميّ أو دينيّ أو طائفيّ.
تؤكِّد حماس أنَّ الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعاً مع اليهود بسبب ديانتهم، وهي لا تخوض صراعاً ضدّ اليهود لكونهم يهوداً؛ وإنَّما تخوض صراعاً ضد الصهاينة لأنَّهم محتلون يعتدون على شعبنا وأرضنا ومقدساتنا. فقط، وفي المقابل، فإنَّ الصهاينة هم الذين يتبنون دعاوى دينية، ويُصرّون على فرض الطبيعة اليهودية لـ”إسرائيل” بناء على خلفيات دينية وقومية، ويقمعون الشعب الفلسطيني ويحرمونه حقوقه، ويهوّدون أرضه ومقدساته بناء على هذه الدعاوى، فإسرائيل هي الدّولة الوحيدة في العالم التي تقوم على أساس ديني، فتمنح الجنسية لكل يهودي في العالم، وتهجِّر أهل البلاد الأصليين.
لقد وقف الشعب الفلسطيني على الدوام ضدّ الاضطهاد والظلم وارتكاب المذابح والمجازر بحقّ المدنيين أياً كان مصدرها وبغض النظر عمَّن يقع ضحيتها. وانطلاقاً من قناعاتنا وقيمنا الدينية والأخلاقية والإنسانية رفضنا ما تعرّض له اليهود من جرائم واضطهاد من قبل ألمانيا النازية…، والمشكلة اليهودية في جوهرها مشكلة أوروبية. أمَّا بيئتنا العربية والإسلامية فكانت عبر التاريخ ملاذاً آمناً لليهود ولكل أصحاب الديانات والقوميات الأخرى، ونموذجاً للتعايش والتفاعل الحضاري والحريَّات الدينية. والصراع الحالي سببه السلوك العدواني الصهيوني المتحالف مع القوى الاستعمارية الغربية. وبالتالي، فإنَّنا نرفض استغلال معاناة اليهود في أوروبا لتبرير قهر شعبنا واحتلال أرضنا واغتصاب حقوقنا وقتل أبنائنا.
إنَّ حركة حماس وفق القانون الدّولي والمواثيق والمعاهدات الدولية هي حركة تحرّر وطني، مشروعة الأهداف والغايات والوسائل، تستمد شرعيتها في مقاومة الاحتلال من حقّ شعبها الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، وفي السعي للتحرّر وتقرير المصير، وإنهاء الاحتلال والعودة إلى وطنه. وكحركة مقاومة وطنية، حرصت حماس على حصر معركتها ومقاومتها مع الاحتلال الإسرائيلي وعلى الأرض الفلسطينية المحتلة، على الرغم من عدم التزام الاحتلال الصهيوني بذلك، حيث مارس جرائمه بحق شعبنا وحركتنا خارج أرض فلسطين، ومارس عمليات اغتيال بشعة بحقّ الفلسطينيين وغيرهم خارج حدود فلسطين المحتلة.
نحن نؤكِّد أن مقاومة الاحتلال بالوسائل كافة، بما في ذلك المقاومة المسلحة، هو حق مشروع كفلته جميع الشرائع والأديان السماوية، وأقرّته القوانين الدولية، من اتفاقيات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول، إلى إعلانات وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن أبرزها قرار الأمم المتحدة 3236 في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1974، والذي أكّد أيضاً على حق الشعب الفلسطيني في العودة، وفي تقرير المصير. وإن هذ الحق الثابت أكّدته أيضاً الممارسات والقرارات الدولية طوال فترات الاستعمار والاحتلال الأجنبي للكثير من البلدان التي نالت استقلالها في نهاية المطاف.
إن شعبنا الفلسطيني الصابر المرابط يخوض الآن معركة دفاع عن النفس والأرض والحقوق الوطنية المشروعة، في مواجهة احتلال استيطاني قمعي هو الأطول والأكثر وحشية، ويتصدّى لعدوان همجي غير مسبوق استهدف الأرض والإنسان وكل أشكال الحياة، ولم يتوان عدونا الظالم خلاله عن ارتكاب المجازر والمذابح الوحشية بحق الأطفال والنساء والشيوخ والآمنين، كما منعَ عن الناس الماء والغذاء والدواء والوقود، وحرمهم من كل أسباب الحياة، وقصف المدارس والجامعات والمساجد والكنائس والمستشفيات وحتى سيارات الإسعاف، ضمن عملية إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم حرب يعاقب عليها القانوني الدولي. وقد حدث ذلك كله على مرأى العالم ومسمعه، دون أن يحرك الدول الكبرى الداعمة للاحتلال لوقف هذا العدوان المستمر والإبادة المتواصلة.
إن الاحتجاج الإسرائيلي بذريعة “حق الدفاع عن النفس” في قمعها للشعب الفلسطيني، هي عملية تضليل وكذب وقلب للحقائق. فليس من حق الاحتلال أن يدافع عن احتلاله وجرائمه، وإنما من حق الشعب الفلسطيني أن يقوم بالمقاومة لإجبار الاحتلال على إنهاء احتلاله، ولتحقيق التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني. ونذكّر بأن القانون الدولي، بما في ذلك فتوى محكمة العدل الدولية بخصوص الجدار (2004)، لا تقر بوجود حق لـ”إسرائيل”، باعتبارها القوة المحتلة الغاشمة بما يسمى “الدفاع عن النفس”. وإن العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة الذي ما يزال تحت الاحتلال وفق القانون الدولي، فاقدٌ لمبرراته القانونية والأخلاقية، ولجوهر فكرة الدفاع عن النفس.
خامساً: ما هو المطلوب؟
إنَّ الاحتلال هو الاحتلال، مهما تغيّر مسمّاه ووصفه وشكله، بصلفه ووحشيته وسعيه لكسر إرادة الشعوب واضطهادها. وإنَّ سنة الحياة، وتجارب الشعوب في الانعتاق من الاحتلال والاستعمار تؤكّد أنَّ المقاومة هي النهج والاستراتيجية والطريق الوحيد للتحرير وإنهاء الاحتلال، فمتى تحرّر شعب من الاحتلال دون نضال ومقاومة وتضحيات؟
إنَّ الواجب الإنساني والأخلاقي والقانوني يفرض على دول العالم دعم مقاومة الشعب الفلسطيني وحمايتها وليس التواطؤ لسحقها والقضاء عليها، كما يفرض عليها التصدّي لجرائم الاحتلال ووقف عدوانه، وإسناد نضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أرضه وإقامة دولته، وممارسة حقّه في تقرير مصيره، كبقية شعوب العالم.
وانطلاقاً من ذلك، فإنَّنا ندعو إلى:
وقف العدوان الإسرائيلي فوراً على قطاع غزَّة، والعمل الفوري على وقف الجرائم والإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحقّ شعبنا وأطفالنا ونسائنا وشيوخنا، وفتح المعابر، وفك الحصار عن قطاع غزة، وإدخال المساعدات وتوفير كل مستلزمات الإيواء وإعادة الإعمار.
العمل على معاقبة الاحتلال الإسرائيلي قانونياً على احتلاله، وكلّ ما ترتّب عليه من معاناة وضحايا وخسائر، والسعي لتدفيع الاحتلال أثمان جرائمه في قتل المدنيين، وأثمان تدميره للبيوت والمستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس والبنى التحيَّة وغيرها.
دعم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي بكل السبل المتاحة، باعتبارها حقّاً مشروعاً وفق القانون الدولي وكل الشرائع والأديان.
ندعو دول العالم الحرّ، ولا سيّما الدول والشعوب التي كانت مستعمرة أو محتلة وتدرك تماماً معاناة الشعب الفلسطيني المحتل، وخصوصاً دول الجنوب العالمي، وكل دولة وهيئة ترفض الظلم وتؤمن بالعدالة، إلى أخذ موقف جاد وفعّال ضدّ ازدواجية المعايير التي تمارسها القوى الدَّاعمة للاحتلال الإسرائيلي، وإلى إطلاق حركة عالمية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والتأكيد على العدالة والمساواة وحق الإنسان في الحريَّة والحياة الكريمة.
يجب أن تتوقّف القوى الكبرى عن توفير الغطاء للكيان الصهيوني وكأنَّه “دولة فوق القانون”؛ فقد تسبّب هذا السلوك الظالم بإعطاء هذا الكيان على مدى 75 عاماً الضوء الأخضر لممارسة أبشع الجرائم بحقّ الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته. وندعو دول العالم اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى تحمّل مسؤولياتها بموجب القانون الدولي، إلى الإعمال الفوري والجاد للقرارات الدولية والأممية التي اتخذتها لإنهاء الاحتلال، ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة في أرضه ومقدساته.
رفض أيّ مشاريع دولية وإسرائيلية تسعى لتحديد مستقبل قطاع غزَّة، بما يتناسب مع معايير الاحتلال وبما يكرّس استمراره، والسعي الجاد (بدلاً من ذلك) لإجبار الاحتلال على الانسحاب. وإنَّ الشعب الفلسطيني يملك القدرة والكفاءة في أن يُقرّر مستقبله بنفسه ويرتّب بيته الداخلي بقراره هو، ولا يجوز لأحدٍ أنْ يفرض الوصاية عليه، أو أن يُقرّر بالنيابة عنه.
الوقوف في وجه محاولات تهجير فلسطينيي الدَّاخل (فلسطينيي 1948، والضفَّة والقطاع) وتشريده، ومنع إيقاع نكبة جديدة بهم. فلا تهجير لسيناء أو الأردن أو أيّ مكان. وإذا كان ثمَّة انتقال للاجئين؛ فهو العودة إلى بيوتهم ومنازلهم التي أخرجوا منها سنة 1948، والتي تكرّر اتخاذ القرار الدولي بحقهم في ذلك أكثر من 150 مرَّة.
مواصلة الضغوط الشعبية عربياً وإسلامياً ودولياً لإنهاء الاحتلال، وتفعيل حركات رفض التطبيع، وحركات مقاطعة البضائع الإسرائيلية ومقاطعة الشركات والمؤسسات التي تدعم الاحتلال.