لم يحدث في التاريخ المعاصر الذي فرضت فيه أمريكا نفوذها الكوني الأول، أن أمطر رئيسها العالم بهذا الكم من التصريحات والوعود.
وإذا كان ما يخص الوضع الداخلي في أميركا وإدارته له ليس من شأننا، فأهل أميركا وحلفائها أدرى بشعابها.
فإن ما يخصنا تحديداً كفلسطينيين تشكل قضيتهم وما تزال البؤرة المركزية للحرب أو السلام في الشرق الأوسط كله هو.. ماذا يفكر بشأنها وماذا سيفعل من أجل حلها؟
للرئيس ترمب تجربة فاشلة في الشأن الفلسطيني عنوانها صفقة القرن، التي جسد من خلالها مبدأ وعد بلفور القديم الذي اختصر بجملة بليغة "وعد من لا يملك لمن لا يستحق".
وإذا بترمب لا يعد وإنما يمنح أرضاً فلسطينية شاسعة لإسرائيل، وفوقها أرضٌ سورية بالغة الأهمية الاستراتيجية، وفوق ذلك القدس، عاصمةً لإسرائيل، وتأكيداً على جديته فيما منح، فقد نقل السفارة الأمريكية إليها وهو إجراء لم يفعله كل الرؤساء الذين سبقوه إلى سدة البيت الأبيض.
صفقة القرن ماتت بمغادرته البيت الأبيض، بعد ولايته الأولى، إلا أنها ظلت على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية، ورئيسها نتنياهو، الذي ساهم في كتابة الصفقة واعتبر إعلان ترمب لها التزاماً أمريكياً أبدياً لا رجعة عنه، وها هو يعمل على تطبيقها في الضفة.
منذ صفقة القرن الفاشلة، إلى عودة ترمب "الناجحة" إلى البيت الأبيض، وإحرازه اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ورعايته مراحل الصفقة الثلاث، عاد السؤال الملح حول القضية الفلسطينية وموقفه منها، وطبيعة الحل الذي يراه لها، السؤال تتوقف على إجابته أمور عديدة منها مثلاً.. قيادته للتطبيع المستجد مع إسرائيل، والتي تجسد المملكة العربية السعودية درة التاج فيه.
يُنظر لاختياره السعودية كأول محطة لزياراته الخارجية على ما يعنيه هذا الاختيار من مغزى سياسي، هو أحد أسس العلاقة الشاملة التي ينشدها مع الدولة العربية المحورية التي تعتبر حل القضية الفلسطينية بل وتلتزم بذلك كمفتاح للتطبيع مع إسرائيل.
في هذا الصدد فإن ترمب لا بد أنه يعرف أن إنجازه لحل وفق الطرح السعودي المعزز بإجماع عربي وإسلامي ودولي، فسوف يكون رجل السلام التاريخي، ليس في الشرق الأوسط وحده، وإنما في العالم كله، أمّا إذا ذهب كما فعل سابقاً وراء الأجندة الإسرائيلية، التي كانت صفقة القرن الفاشلة تعبيراً عنها، فساعتئذ سيكون شريكاً في ظلم تاريخي وقع على الشعب الفلسطيني ومؤسساً لحروب مؤجلة وهذا ما يناقض كل أدبياته التي صدّرها في حملته وحتى في رئاسته.