في وقت تستمر فيه إسرائيل بارتكاب مجازر فظيعة بأهالي مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية بما فيها القدس ، يعود دونالد ترمب إلى البيت الأبيض أخيراً رئيساً لأمريكا لأربع سنوات قادمة، وهو يحمل في جعبته الكثير لدعم إسرائيل على كافة المستويات؛ لكن الأهم أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستتساوق مع أهداف ومخططات دولة الإبادة الجماعية إسرائيل فيما يخص مستقبل الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، جنباً إلى جنب مع مساندة وإحياء فكرة قديمة أطلقها نتنياهو قبل فترة وجيزة تتمحور حول مشروع رسم خارطة نظام إقليمي جديد؛ بحيث تكون إسرائيل قطباً سياسياً وعسكرياً ومالياً مدعوم من نظم الغرب الاستعمارية وخاصة أميركا.
مشروع إنشاء نظام إقليمي ليس حديث العهد بل جرى الحديث عنه كثيراً بعد انعقاد مؤتمر مدريد للتسوية في نهاية عام 1991. وقد سعى شمعون بيرس الرئيس الإسرائيلي السابق في منتصف التسعينيات لرسم صورة للشرق الأوسط الجديد في كتابه الذي حمل نفس العنوان، بحيث تكون فيه إسرائيل القطب المالي والمائي والسياسي في ذات الوقت، لكن نتنياهو أصدر كتاباً فيما بعد بعنوان (مكان تحت الشمس)، ليؤكد فيه أن بناء علاقات مع الدول العربية تجعل من إسرائيل دولة متخلفة اقتصادياً، ولهذا كان يفضل بناء علاقات مع دول أوروبية متطورة حتى لو كان اقتصادها صغير كلكسمبورغ. وتبعاً لذلك يمكن الجزم بأن نتنياهو طرح فكرة النظام الإقليمي؛ أي الشرق الأوسط الجديد لتحقيق أهداف في مقدمتها ًمحاولة تعميم ثقافة مفادها بأن إسرائيل دولة طبيعية وقوية في ذات الوقت رغم انكشافها كدولة إبادة جماعية مكتملة الأركان خلال عدوانها على قطاع غزة والضفة الغربية وتكميم الأفواه في الداخل الفلسطيني.
لقد مرّ على اتفاقات أوسلو أكثر من واحد وثلاثين عاماً دون نيل الشعب الفلسطيني أي حق من حقوقه الوطنية، بل على العكس من ذلك، ارتفعت وتيرة النشاط الاستيطاني وتمت سيطرة الجيش الإسرائيلي على عشرات الألوف من الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس وكذلك تدمير مئات المنازل وتجريف البنى التحتية، وتفاقمت عنصرية إسرائيل إزاء العرب الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني والمقدسيين، وتوضح ذلك من خلال إصدار رزمة من القوانين العنصرية، ومن أخطرها قانون القومية الإسرائيلي الذي يرسخ فكرة يهودية الدولة. وكانت طفت إلى السطح بعد كرنفال توقيع اتفاقات أوسلو في 13-9-1993، مشاريع لرسم صورة نظام شرق أوسطي جديد وفق تصورات أمريكية وإسرائيلية، بحيث تكون فيها إسرائيل قطباً على كافة المستويات، وكان الهدف الاستراتيجي من تلك المشاريع بدء التطبيع الاقتصادي والسياسي والثقافي مع إسرائيل بعد صراع طويل مع الشعب الفلسطيني. لكنه رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على اتفاقات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، لم تتحقق خطوات جوهرية لجهة جعل النظام الإقليمي الجديد حقيقة ماثلة للعيان كما روج البعض.
من نافلة القول إنه بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على طرح مشروع النظام الشرق أوسطي الجديد، إلا أن معالمه لم تظهر على الأرض، رغم الحديث المتكرر عنه من بعض الإسرائيليين والأمريكيين بين فترة وأخرى؛ واللافت أن العرب لم تتم استشارتهم ومشاركتهم لرسمه أو التخطيط له في الأساس، ناهيك عن كون المشروع يلبي أهدافاً إسرائيلية وأمريكية في الشرق الأوسط بعيداً عن أهداف الشعوب العربية. وبالعودة إلى المصطلح، تجمع الدراسات المختلفة بأن الشرق الأوسط ليس له ملامح جغرافية محددة المعالم، لكن البعض يشير إلى أنها المنطقة الجغرافية الواقعة شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، وتمتد إلى الخليج العربي. ويستعمل هذا المصطلح للإشارة للدول والحضارات الموجودة في هذه المنطقة الجغرافية. ويشار هنا إلى أن هذه المنطقة سميت في عهد الاكتشافات الجغرافية من قبل المكتشفين الجغرافيين بالعالم القديم وهي مهد الحضارات الإنسانية. ويمكن القول بأن الكيانات السياسية في هذه المنطقة تتمثل بالدول التالية: العراق، السعودية، فلسطين، الكويت، الأردن، لبنان، البحرين، قطر، الإمارات، اليمن، سوريا، مصر، سلطنة عمان، السودان، إيران، أرمينيا، تركيا، قبرص. ويعتبر الشرق الأوسط من أكثر الدول في العالم مساهمة في إنتاج النفط (30) في المائة من الإنتاج العالمي، وكذلك يستحوذ على (60) في المائة من احتياطي النفط العالمي، ولهذا ستكون عيون إدارة ترامب على تلك المنطقة بغرض الهيمنة عليها وسرقتها ونهب خيراتها، جنباً إلى جنب مع إبقاء ذراعها قوية في عمق الشرق الأوسط، ونقصد هنا إسرائيل دولة الإبادة الجماعية مكتملة الأركان حسب المنظمات الدولية المختلفة.