كُتّاب مسار

إنزياح شعبي هولندي لافت إلى جانب الحق الفلسطيني

يلحظ المتابع انزياحاً شعبياً هولندياً لافتاً إلى جانب الحق الفلسطيني منذ بداية العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في تشرين الاول /أكتوبر المنصرم، حيث عمت التظاهرات المدن في مملكة هولندا، وفي المقدمة منها العاصمة امستردام ولاهاي واوترخت وروتردام وايندهوفن وماسترخت.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المشاركة الشعبية الهولندية اتسعت بشكل جلي مقارنة بعام 2021 حين انطلقت هبة الاقصى، جنباً الى جنب مع ارتفاع أصوات حزبية وبرلمانية انزاحت إلى جانب الحق الفلسطيني وإدانة إسرائيل ومجازرها المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني بشكل علني، الأمر الذي يشكل ضغطاً متناميا على نظام الحكم الهولندي المتبني للرواية الإسرائيلية المزيفة، كإدارة بايدن وفرنسا وبريطانيا والمانيا.

ستيفان فان بارلي

هو القائل أخيراً "أن فلسطين التاريخية للشعب الفلسطيني"، ففي عدة مقابلات صحفية أكد ستيفان فان بارلي، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب "دينك" (Denk)  في هولندا، ويستحوذ  على ثلاثة مقاعد في البرلمان الهولندي بعد انتخابات نوفمبر الماضي " إن إسرائيل ترتكب جرائم حرب وإن بلاده والدول الغربية تلتزم الصمت حيال ذلك". كما قال "مثلما تجاهلت هولندا والدول الأوروبية حقيقة ترك الفلسطينيين لمصيرهم لمدة 75 عامًا، الآن أيضا يغضون الطرف عن قتل الأطفال الفلسطينيين بالقنابل الإسرائيلية، وبينما تُرتكب جرائم حرب ضد الفلسطينيين العزل يجب على هولندا استخدام لهجة قاسية بدلاً من الوقوف موقف المتفرج". وشدد بارلي على أن الدفاع عن حقوق الفلسطينيين أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى ودعا إلى الدفاع عن تلك الحقوق ويجب أن يحصل الفلسطينيون على دولتهم، وذهب إلى أبعد من ذلك قائلاً "إسرائيل تطبق نظام الأبارتهايد (الفصل العنصري) وأفلتت من المحاسبة على كل ما فعلته طوال 75 عاما بسبب صمت الدول الغربية". إضافة إلى بارلي ثمة متضامنين فنانين وكتاب يتوشحون علم فلسطين والكوفية الفلسطينية بشكل دوري في عدة مدن هولندية ،ناهيك عن ارتداء الكوفية الفلسطينية من قبل الكثير من الهولنديين خلال التظاهرات المناصرة لفلسطين ومطالبة حكومتهم العمل من أجل وقف المجازر الإسرائيلية فوراً ضد الشعب الفلسطيني، كما لوحظ متابعة وتغطية بعض الفضائيات الهولندية للتظاهرات ومقابلة بعض المتظاهرين لاستطلاع رأيهم  ومنهم هولنديون مناصرون للقضية الفلسطينية .

عوامل الانزياح الشعبي

يكمن  السبب الرئيسي  في تحول الموقف الشعبي الهولندي في  تفاقم عنصرية إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني وانزياح شرائح كبيرة ومؤسسات مدنية هولندية خلال السنوات الأخيرة لنصرة الحق الفلسطيني، وقد تجلى ذلك بمقاطعة عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني الهولندي لبضائع المستوطنات الإسرائيلية كونها معالم احتلالية، ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي المتوحش على قطاع غزة والضفة الغربية في بداية أكتوبر الماضي وسقوط آلاف الشهداء والجرحى جلهم اطفال ونساء وشيوخ، ارتفعت وتيرة اصوات المناصرين الهولندين للشعب الفلسطيني مطالبين حكومتهم والغرب لإيقاف العدوان والمجازر، ورغم عدم ايضاح الحقيقة في وسائل الاعلام الهولندية المختلفة، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي استطاعت إيصال رسائل الحق الفلسطيني إلى هولنديين كثر بالصوت والصورة توثق من خلالها المجازر الاسرائيلية، ليزداد التعاطف ورفض ممارسات وسياسات الدولة المارقة إسرائيل إزاء الشعب الفلسطيني. وبهذا المعنى تفوقت "السلطة الخامسة" أي وسائل السوشال ميديا  على وسائل الإعلام الأخرى خلال العقد الأخير، حيث نجح شباب فلسطين في استخدامها بدراية كاملة ولغات متعددة متقنة وبدراية عالية ، في أماكن تواجدهم سواء في فلسطين التاريخية وفي مغترباتهم المختلفة ومنها مملكة هولندا لدحض الرواية الصهيونية حول فلسطين وشعبها.

قضية فلسطين وهولندا

 تعتبر مملكة هولندا من أشد الدول الأوروبية المؤيدة لإسرائيل منذ نشأتها في ايار / مايو 48، حيث انحازت إلى إسرائيل في مختلف المجالات والمحافل الدولية. فقد صوتت لصالح تقسيم فلسطين في لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين عام 1947. وعندما أصدرت الجمعية العامة توصيتها بتقسيم فلسطين يوم 29/11/1947 كانت هولندا في مقدمة الدول التي تبنت تلك التوصية، وبذلت الجهود لإقرارها، فضلاً عن ذلك اعترفت هولندا بإسرائيل وتبادلت معها التمثيل الدبلوماسي واغتنمت الفرض لتأييدها ودعم مواقفها. لا بل إن هولندا انفردت أكثر من مرة بهذا التأييد من بين الدول الأوروبية كافة. ففي مفاوضات دول السوق الأوروبية المشتركة في بروكسل عام 1966 كانت هولندا الدولة الوحيدة التي أيدت طلب إسرائيل الانضمام إلى تلك السوق. كما أنها كانت الدولة الوحيدة بين دول السوق التي قبلت أن يكون مقرها في مدينة القدس استجابة للرغبة الإسرائيلية.

واللافت أن هولندا منحت إسرائيل تأييداً سياسياً خاصاً أثناء عدوانها على الدول العربية واحتلالها لأراضي عربية شاسعة في حزيران /يونيو حرب 1967، كما رعت هولندا مصالح إسرائيل  في الاتحاد السوفييتي السابق وبولونيا بعد قطع هاتين الدولتين علاقاتهما بإسرائيل، وخلال  حرب عام 1973 لم تتوان هولندا عن فتح  أراضيها وأجوائها من دون غيرها من الدول الأوروبية لتأمين المساعدات الأمريكية العسكرية لإسرائيل لتمويل آلة الحرب. ويلحظ المتابع بأن مواقف هولندا، باستثناء حالات نادرة أو هامشية، بتبني المواقف السياسية الإسرائيلية، كانت تنحاز على الدوام، من خلال الدفاع عنها، سواء على صعيد الأمم المتحدة أو في اجتماعات السوق الأوروبية المشتركة. وأبعد من ذلك فإنه عندما وافقت هولندا على موقف أوروبي موحد، كما حدث في وثيقة شومان عام 1971 وبيان مجموعة الدول التسع في 6/11/1973 كانت تحرص على أن تكون آخر من يوافق وأول من يتنصل من القرار.

ومن نافل القول أنه في ظل تزايد انزياح المزاج الشعبي الهولندي إلى جانب الحق الفلسطيني خلال الآونة الأخيرة، يمكن أن يشهد المتابع تغيراً في مواقف الحكومة الهولندية القادمة إزاء القضية الفلسطينية، ولو بشكل بطيء، حيث باتت إسرائيل وسياساتها الاجرامية بحق الشعب الفلسطيني عبئاً على دول الغرب بما فيها مملكة هولندا.

 

Loading...