"خرزة ترامب الزرقاء"... والعقدة السعودية!!

 

 

 

عندما طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال ولايته الأولى (20 يناير2017 – 20 يناير 2021) فكرة السلام الابراهيمي والذي تحقق بالفعل بين كل من الإمارات والبحرين والمغرب ب والسودان من جهة وإسرائيل من جهة ثانية كانت غايته الأساسية هي دخول المملكة العربية السعودية في هذا "الحلف" إلا أن الرياض تحفظت على الفكرة وأدارت ظهرها لها مشترطة أن يكون السلام مع إسرائيل بعد تعهد من الرئيس ترامب بإقامة دولة فلسطينية (حل الدولتين) والسماح للرياض بامتلاك التكنولوجيا النووية، وهما الشرطان  اللذان تجاهلهما ترمب ولم يعلن رفضاً علنياً لهما لكنه بالمقابل أطلق مشروع صفقة القرن وقام بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية وكان هذا المشروع بمثابة رفض صريح وواضح للمطلب السعودي (التطبيع مقابل دولة فلسطينية).

في ذلك الوقت كان هدف ترمب بالسلام الابراهيمي عزل القضية الفلسطينية وتهميشها وتشكيل الإقليم بصورة تكون فيه إسرائيل  "كخرزة زرقاء" على جبين المنطقة تتمتع بالتطبيع والمكاسب السياسية والأمنية وبلا أي كلف تذكر، المفاجأة كانت خسارته في الانتخابات لصالح جو بايدن وتراجع مشروعه إلى الخلف والذي لم يحظ باهتمام من قبل الإدارة الجديدة بعد تفجر الحرب الأوكرانية وتحول جل اهتمام إدارة بايدن إلى تلك الحرب لمواجهة روسيا والسيطرة على قلب أوروبا الشرقية التي غنمتها  واشنطن كغنيمة سهلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

في ذلك الوقت كانت القضية الفلسطينية تدخل عالم النسيان بل كادت أن تدخل "ثلاجة الموتى" وبلا أي مقدمات تفجر الوضع الإقليمي والعالمي في  السابع من أكتوبر في عملية طوفان الأقصى وبدء الحرب الإسرائيلية على غزة التي استمرت سنة وثلاثة أشهر وتوقفت من حيث المبدأ موقتاً في التاسع عشر من هذا الشهر والتي يمكن أن يعيد تفجيرها نتنياهو في أي لحظة، هذه الحرب التي دمرت قطاع غزة تدميراً كاملاً وقتلت أكثر من 46 ألف شهيد عدا مئات الآلاف من الجرحى والمعوقين والمفقودين هذه الحرب خلقت مناخاً عالمياً حاصر إسرائيل وجعلها منبوذة وشجع محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية على اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، وهو واقع فرض نفسه على دول "حلف السلام الابراهيمي" وجعل هذا الحلف يختفى عملياً، أما السعودية التي تحفظت عليه ورفضت دخوله إلا بشروطها التي أشرت إليها فقط ذهبت إلى أخذ مواقف متشددة ليس رفض التطبيع مع إسرائيل فحسب بل سعت واحتضنت القمة العربية الإسلامية المشتركة في نوفمبر من العام الماضي بالرياض وذلك بعد نجاح ترمب ورعت قرارات القمة المتشددة تجاه إسرائيل بما في ذلك دعوة المحكمة الجنائية الدولية الاستمرار في التحقيق بالجرائم المرتكبة بحق المدنيين في قطاع غزة كما طالبت بفرض حظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل وهي مواقف تعتبر متشددة وما كانت ستمررها القمة لولا رضا ورغبة الرياض.

والسؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن كيف سيتعامل ترمب مع السعودية ودول الاعتدال العربي بخصوص الملف الفلسطيني وتعقيداته وبخاصة اليوم التالي في غزة، ومستقبل القضية الفلسطينية برمتها ومستقبل السلطة الفلسطينية ودورها وهل يستطيع أن يجاهر برفض تطلعات الشعب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة، وماذا عن الموقف السعودي الرافض للتطبيع بدون تعهد بإقامة دولة فلسطينية؟؟

كلها أسئلة مهمة بحاجة إلى إجابات قد لا تتوفر حالياً ولكن وضمن المعطيات الراهنة من الصعب للغاية تجاهلها، فترمب يدرك أن فترة ولايته الأولى كانت معبدة بالورود إلا أن ولايته الحالية معبدة "بالبارود" في فلسطين أو لبنان أو سوريا ولربما العراق وهو ما يحتم عليه التحلي بروح رياضية تتسم بالتواضع والواقعية والتخلي عن "الطاووسية السياسية" في التعامل مع قادة المنطقة وعليه أيضا توقع سماع كلمة "لا" في عواصم الإقليم المهم جداً للولايات المتحدة.

 

 

 

 

Loading...