الآن ووفق ما يجري من أحداث وتطورات واسعة ومتسارعة بالمنطقة والعالم حتى، وتداعيات ذلك على جانب من العلاقات الدولية والجيوسياسية.
وبناء على تراكم كفاح شعبنا وما حققه مؤخراً يوم 7 أكتوبر من تغيير لقواعد الاشتباك بالجنوب والشمال، وتصدّر فلسطين أولوية اهتمام المشهد الدولي، كما وخلط أوراق مسألة عودة أمريكا للمنطقة، وإعاقة قدرة الاحتلال على تحقيق ما أعلنه من أهداف في بداية حرب الإبادة الثأرية خاصة المتعلق منها والمعلن بإنهاء فكر وثقافة المقاومة ودورها.
رغم تمكنهم من إيقاع حجم غير مسبوق من الضحايا والتدمير المرتبطة بالوجع والآلام، وجعل غزة مكاناً أصبحت مقومات الحياة معدومة بها كما عدد من مخيمات الضفة الغربية، وهو ما يلخص أهدافهم الحقيقية ورغبتهم باستكمال ذلك بمحاولات الترانسفير القصري لسياساتهم القديمة الجديدة لتصفية حقوقنا الوطنية فوق أرضنا، واستكمال تنفيذ رؤية إسرائيل الكبرى التي تحملها الحركة الصهيونية العالمية، ذات التأثير على عدد من حكومات الدول حول العالم، إن لم يكن صناعة القرار السياسي فيها.
إنها لحظات تاريخية أمامنا تستدعي المبادرة السياسية الفلسطينية الواضحة والموحدة، لجمع الشمل الفلسطيني في إطار منظمة التحرير تُبنى على برنامجها وعلى الأهمية التاريخية والمسؤولية الوطنية باستيعاب الكُل الفلسطيني فيها، من قوىً مختلفة ومستقلين وفئات شابة، وعلى صمود شعبنا وعلى ما استطاعت أن تحققه المقاومة، كما والتضامن الدولي الواسع غير المسبوق، وتشظي الوضع الإسرائيلي الداخلي وعزلة نظامهم المتنامية أمام الرأي العام العالمي والحالة التاريخية القائمة لأول مرة أمام محكمة العدل الدولية، وتداعياتها على دولة الاحتلال ومن يساندها.
فهنالك ضرورة ملحة اليوم قبل الغد من أجل أن تستوعب كافة الاطراف المتغيرات في ذاتها، وتستوعب غيرها على قاعدة الاختلاف في إطار الوحدة، وبتوسيع ديمقراطي حقيقي لقاعدة المشاركة الشعبية بصناعة القرار ليتمكن شعبنا من العمل بشراكة وبالأدوات المناسبة بعيداً عن أية مصالح غير وطنية، لحين التمكن من إجراء الانتخابات العامة لاحقاً وبالسرعة المتاحة على قاعدة التزام كافة الأطراف بنظام الانتخابات وبوثيقة إعلان الاستقلال كعقد اجتماعي سياسي بين الجميع. لكي نستطيع معاً الوصول إلى برنامج رؤية وطنية فلسطينية خالصة في مواجهة الضغوطات ومحاولات الاستثمار السياسي الأمريكي لصالح إسرائيل بعد فشلها بتحقيق كافة أهدافها من خلال محاولات استكمال فرض سراب سياسي متجدد لا يُفضي إلى الحقوق السياسية الوطنية، وبالمقدمة منها الحق الطبيعي بتقرير المصير كمبدأ سامي للشعوب كافة، وحل قضية اللاجئين المهجرين قسراً من ديارهم الأصلية ووصولنا إلى الاستقلال الوطني.
على الولايات المتحدة وبالرغم من ما يجمعها مع إسرائيل من عوامل نشؤ مشتركة، إذا كانت تعتقد بأن هنالك ما تبقى لها من مصداقية بين شعوب العالم ومنهم نحن الفلسطينيون بعد كل ما اقترفته من جرائم بحقنا جميعا. وحتى لا يكون حديثها عن الدولة الفلسطينية سراباً جديداً أو مجرد ذر للرماد بالعيون، أو حتى مطبٍ لمسار سياسي جديد تسعى من خلاله لإدارة الصراع دون حله، من خلال أسلوب جديد بهدف إنقاذ إسرائيل من أزماتها والإبقاء على دورها الوظيفي واستدامة احتلالها، مع إمكانية توسيع رقعة الحرب بالمنطقة، بمشاركة حلفائها لتمرير استراتيجياتها للسيطرة على المنطقة. لذلك على الولايات المتحدة وقبل أي شيء أن تتحدث هي أولاً بحكم الضرورة الموضوعية السياسية عن إنهاء الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي، والعودة عن قرار ترامب بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل وضمها، ووقف حرب الإبادة بحق شعبنا كما ووقف المساعدات العسكرية والسياسية لإسرائيل.
دون كل ذلك فكيف وأين ستقام هذه الدولة التي يدعوا لها السادة بايدن وبلينكن؟ وما هي علاقة هذه الدولة مع حق تقرير المصير لشعبنا ومع برنامجنا حول الدولة المستقلة ذات السيادة؟ بل وحتى ما هو شكل ومضمون هذه الدولة من حيث المضمون والحدود والسيادة التي يغفلونها في تصريحاتهم المضللة بل والقائمة على تناقض سياساتهم؟
ننتظر المبادرة الأوروبية التي يفترض أن يتفق عليها وزراء خارجية 27 دولة من الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم اليوم بخصوص مؤتمر للسلام، السؤال أمامهم، هل بعد 76 عاماً سيتحمل الأوروبيون مسؤولياتهم الأخلاقية والسياسية بل والقانونية تجاه الظلم التاريخي الذي بمشاركتهم قد وقع على شعبنا، وهل ستنتهي سياساتهم بمساواة الضحية بالجلاد والتوقف عن الكيل بمكيالين وأن يقفوا اليوم إلى الجانب الصحيح من التاريخ بعد عدم قدرتهم لعقود من التخلي عن إرث وثقافة الاستعمار، نأمل ذلك ونتطلع إلى دور أوروبي جديد يقف إلى جانب العدالة وحقوق الشعوب ويتفق مع مبادئ تأسيس الاتحاد الأوروبي.