مع تبني "إدارة بايدن" حل الدولتين مجدداً، دخلنا مرحلة البحث عن الحل السياسي، بعد ثلاثة أشهر من الحرب، وتحت تلك المظلة، تعددت المبادرات واتخذت أبعاداً جديدة، من الأطراف صاحبة المصلحة بالحل. كما ظهرت بقوة مواقف الداعين لاستمرار الحرب من أجل أهدافهم الخاصة.
لكن الحديث عن الانتقال لمرحلة البحث عن الحل السياسي. لا يعني أن الحرب ستتوقف، ولا يعني أن الحل صار في متناول اليد، كما لا يعني أن الإدارة الأميركية، ستنجزه أو تفرضه قبل نهاية عهدها مع موعد الانتخابات الرئاسة هناك. بل إن واقع الحال يدّل على أن الحرب ستشتد حيناً وتتحول إلى حرب أمنية مفتوحة على الأغلب.
الفرق بين اللحظة الراهنة، ولحظة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، أن رد الفعل الإسرائيلي – الأميركي آنذاك على عملية "طوفان الأقصى" سمح بإطلاق حرب إبادة جماعية وتطهير وتهجير مفتوحة، بدعم غربي واسع النطاق ومن دون أي حديث إلا عن تصفية المسألة الفلسطينية. تحت شعار تدمير قدرات حركة حماس العسكرية.
والآن مع هذا التحول السياسي، بات الأمر يتجاوز الحالة الفلسطينية، إذ أن كياناً سياسياً بأهمية إنشاء دولة فلسطين، يعيد تشكيل الشرق الأوسط الكبير من الباكستان حتى تونس مروراً بتركيا وأثيوبيا.
وهذا ما يحرك الكتل الدولية الوازنة في النظام العالمي وليس الإتحاد الأوروبي وحده.
هنا ندرك وزن الاعتراض الإسرائيلي الذي تمارسه حكومة نتنياهو بكل صلف واستعلاء مع داعمين دولة إسرائيل قبل غيرهم.
وعلى مساحة هذا الصراع المعلن بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة البيت الأبيض وجدت طهران ضالتها، لتصعيد نشاطها مع وكلاءها من أجل الفوز بمقعد تفاوضي لترسيم نفوذها في المنطقة عبر دفع "إدارة بايدن" إلى إنجاز التفاهمات المعطّلة حول "الاتفاق النووي" و"مسألة العقوبات" وغيرها من قضايا الصراع التنافسي. هكذا تقاطع تصريح وزير خارجية إيران مع موقف نتنياهو في رفض حل الدولتين، ومحاولة تعطيل مساره.
وهنا في لبنان يستمر التصعيد العسكري جنوباً في حدود تخدم الربط الإقليمي بين الملفات في حركة الاستثمار الإيرانية، ومنها استمرار تنفيذ بعض العمليات العسكرية والرشقات الصاروخية المنسوبة للفلسطينيين تارة ولما يسمى "بحركة العًّز الإسلامية" وتوأمها "حركة المجد الإسلامية" حيث إحتار المراقبين في معرفة ولاء الحركتين إذا كان لحماس أو الجهاد أو حزب الله.
وهنا في لبنان أيضاً ومن الضاحية الجنوبية لبيروت، يعقد عضو المكتب السياسية لحركة حماس المؤتمرات الصحفية، بعد تعذر عقدها في اسطنبول والدوحة.
وفي كل مرة يتحدث عن مطالب الحركة ورؤيتها لوقف الحرب من دون ربطها بوحدة موقف فلسطين، ولا بالهدف النهائي القائم على "حل الدولتين"، وعندما تَصْدُر تصريحات متفرقة من قادة حماس عبر مقابلاتهم الإعلامية تفيد الحرص على وحدة الموقف، وقبول خيار الدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران، فإن قائد الحركة الأسبق خالد مشعل ينسف كل ما يقال، ليعود إلى التمسك بالحق التاريخي في مواجهة الحق السياسي، ما يجعل مسألة التوافق الوطني حول برنامج منظمة التحرير تتطلب تخلي المنظمة عن برنامجها وليس تبني حماس لبرنامج الاجماع الوطني.
والسؤال الآن إلى أين تتجه حركة حماس!؟ ولماذا تتقاطع مع طهران في رفض حل الدولتين؟! وهل ستستمر في خط التفاوض المنفرد مع إسرائيل والولايات المتحدة برعاية قطرية؟ وماذا ستحقق إذا استمرت في المفاوضات الثنائية؟ وهل تستطيع حقاً أن تنجز حلاً يتجاوز الشرعية الفلسطينية؟
كلها أسئلة برسم قيادة الحركة في لحظة يتدفق الدم الفلسطيني بغزارة غير معهودة منذ أكثر من قرن؟!
وأخيراً أطلقت الحركة وثيقتها باللغتين العربية والإنكليزية تحت عنوان "هذه روايتنا". وعندما شرحت الوثيقة ما هو المطلوب الآن، تحدثت بنودها الثمانية عن كل شيء تريده الحركة، من دون إشارة واحدة إلى الحل السياسي أو المصالحة الوطنية، أو العمل المشترك، وهذا يدّلنا بأن خيار قيادة الحركة حتى الآن هو السّير منفردة في مفاوضاتها على مصير القطاع ومصيرها كتنظيم وقادة وكوادر وسلطة دائمة في القطاع أولاً.
أمام هذا المشهد الصعب، لابد من القول بأسف هل من أجل هذا يراق الدم الفلسطيني كل يوم؟!
ومِنْ أجل مَنْ نفذت عملية طوفان الأقصى؟!!