مقالات مختارة

انقلاب سياسي على حزب الله | تسفي برئيل

 

 

 

تم تشكيل 78 حكومة في لبنان منذ استقلاله في العام 1943، وقد تم تشكيل الحكومة الأخيرة في نهاية الأسبوع الماضي، بعد ولادة سريعة استمرت ثلاثة أسابيع، حيث استبدلت الحكومة المؤقتة، التي عملت ثلاث سنوات. هذه حكومة كاسرة للمسلمات و"التقاليد" بمعانٍ كثيرة. منذ العام 2005 تعوّد لبنان، وكأن الأمر أمر إلهي، على أن تشكيل الحكومة يستغرق شهورا كثيرة، وأحيانا سنة، حتى عندما كان يتم تشكيلها بعد الحرب. في هذه المرة، كانت السرعة جزءا لا يتجزأ من الانقلاب السياسي، فقد حدث الانقلاب حقا. قرر رئيس الحكومة الجديد، نواف سلام، بتوجيه من الرئيس جوزيف عون، أن توزيع الحقائب الوزارية سيعكس التركيبة الطائفية في الدولة، لكن لا أحد من الوزراء سيتم تعيينه ممثلا رسميا عن حزب، بل استنادا إلى مؤهلاته وقدراته المهنية.
طريقة التعيين الطائفي والتخصيص الحزبي كانت السبب الرئيسي في فشل الحكومات، الذي رافق الدولة عشرات السنين، والفساد العميق الذي أحدث الأزمة الاقتصادية التاريخية، وجعل لبنان دولة مفلسة. كانت البداية في اتفاق الطائف في العام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية التي استمرت 15 سنة، ونص على أن الرئيس سيكون دائما مسيحيا مارونيا، ورئيس الحكومة مسلما سنيا، ورئيس البرلمان مسلما شيعيا، ورئيس الأركان درزيا.
على أساس ذلك، بدون أي أساس دستوري، تم وضع "تقاليد" حصلت فيها أحزاب وحركات على مواقع نفوذ في الحكومة. وزارة المالية، مثلاً، الجسم الثالث في الأهمية في هيكلية السلطة بعد الرئيس ورئيس الحكومة، كانت في يد الطائفة الشيعية. عملياً، نبيه بري، رئيس البرلمان ورئيس حركة أمل، هو الذي قام بـ"تعيين" وزير المالية. وهكذا أيضا فيما يتعلق بوزارات أخرى مثل الصحة والرفاه التي كانت في يد "حزب الله"، أو وزارة الخارجية التي كانت في يد المسيحيين. في هذه المرة خلط سلام الأوراق، وضعضع التقاليد السياسية، لكن ليس بالضبط. خمسة وزراء تمت "التوصية بهم" من قبل نبيه بري، وزير المالية، ياسين جابر، الذي على تعيينه وضع نبيه بري تهديدا شديدا بدون مساومة، وأربعة وزراء تمت التوصية بهم من حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع. هذه في الواقع "حكومة خبراء"، لكن سيكون من الصعب تغطية الانتماء الحزبي لمعظم وزرائها.
التغيير المهم، وربما الأكثر تأثيرا، هو في مكانة "حزب الله". منذ العام 2008 أمسك "حزب الله" القوة لمنع قرارات للحكومة، وتغييرها بشكل جوهري وحتى تخريبها – عمليا، إملاء سياسة لبنان في كل المجالات. حسب الدستور اللبناني فإن القرارات المهمة، مثل المصادقة على الميزانية، وشن حرب، وتطبيق إصلاحات اقتصادية، تحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء الحكومة تقريبا. أي أن من يمسك دعم ثلثي الوزراء ووزير آخر، "الثلث المعطل" حسب قاموس لبنان السياسي، يكون أقوى من رئيس الحكومة.
هنا كانت تكمن قوة "حزب الله" السياسية، رغم حقيقة أنه امتلك عددا قليلا من الوزراء، اثنان في العادة، إلا أنه نجح في تشكيل تحالف شل عمل الحكومة. في الحكومة الجديدة لا يوجد وزراء من "حزب الله"، وقدرته على تشكيل "الثلث المعطل" غير موجودة، على الأقل على الورق. هذه النتيجة مسؤول عنها بشكل كبير الموقف العنيد لمرغان أورتاغوس، نائبة مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، التي استبدلت عاموس هوخشتاين في منصب المبعوثة الخاصة للبنان.        
"لن يكون أي ممثل لـ"حزب الله" في الحكومة، بأي شكل من الأشكال، ويجب نزع سلاحه، ليس فقط جنوب نهر الليطاني"، هكذا أوضحت أورتاغوس للرئيس عون ولرئيس الحكومة سلام. يختلف أسلوب أورتاغوس كليا عن أسلوب هوخشتاين في منصبه. هو أيضا حاول، لكن بدون نجاح، تشكيل حكومة في لبنان، لكن الظروف التي عمل فيها كانت مختلفة. هدفه كان التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الوقت الذي كان فيه "حزب الله" بكامل قوته، وأدار حسن نصر الله الحزب وسياسة لبنان من موقع قوة. أدار هوخشتاين ومبعوث فرنسا، جان إيف لادريان، المفاوضات مع نبيه بري، الذي كان مفوضاً من حسن نصر الله. لم يكن رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي أكثر من شخصية تمثيلية بدون تأثير. في هذه النقاشات، وضع حسن نصر الله مبدأ أساسياً، بحسبه تعيين الرئيس وتشكيل الحكومة هي شؤون لبنانية ولا يحق لأي جهة أجنبية التدخل فيها.
انهيار "حزب الله" العسكري وموت حسن نصر الله وإسقاط نظام بشار الأسد على يد هيئة تحرير الشام ورئيسها احمد الشرع وإبعاد ايران عن ساحة سورية وفصلها الجغرافي عن "حزب الله"، كل ذلك أوجد نسيجا من الظروف التي مكنت من التوصل إلى وقف إطلاق النار والعملية السياسية التي أثمرت النظام الجديد في لبنان. إلى ذلك يجب إضافة التدخل الفعال للسعودية أيضا، حيث اشترطت المشاركة في إعادة الإعمار في لبنان بتحييد "حزب الله". هذه العملية حاول محمد بن سلمان تنفيذها في الأعوام 2016 – 2017، لكن بدون نجاح، وبعد ذلك قطع نفسه عن ساحة لبنان، باستثناء مساعدات صغيرة لمشاريع إنسانية.
اصبح "حزب الله"، الآن، مبعداً عن المشاركة المباشرة في الحكومة، وتضرر بشكل كبير في قوته العسكرية؛ أيضا هو يتعرض لانتقاد شديد من الجمهور بسبب الأضرار والمعاناة التي تسبب بها لمئات آلاف اللبنانيين الذين تكبدوا خسائر، مباشرة وغير مباشرة، بمبلغ 13 مليار دولار. ولكن كل ذلك لا يجعله منظمة عديمة القوة وبدون تأثير. يمثل "حزب الله" قطاعا شيعيا كبيرا بشكل خاص في جنوب لبنان، وفي الضاحية في بيروت وفي أجزاء في البقاع. الآن هو يطمح إلى الإظهار للجميع بأنه يمكنه الوفاء بتعهده؛ تعويض وتأهيل المتضررين بسبب الحرب.
هذه ليست مسألة احترام لكلمته. في أيار 2026 إذا لم تكن أي تطورات استثنائية فإنه يتوقع إجراء انتخابات للبرلمان. "حزب الله"، مثل الأحزاب الأخرى، سيقف في حينه أمام الامتحان السياسي الأكثر أهمية، وسيضطر إلى مواجهة نتائج الحرب. أيضا مسألة نزع سلاحه في أرجاء الدولة، وليس فقط جنوب الليطاني بحسب القرار 1701، يمكن أن تحتل مكانا رئيسا في الحوار السياسي إزاء الضغط الدولي، لا سيما الأميركي والسعودي، على الحكومة في لبنان. هذه القضية قد تشعل مواجهة عنيفة بين الحزب وبين الحكومة والجيش.
تعيين رئيس وتشكيل حكومة في لبنان يمهدان الطريق أمام ضخ مليارات الدولارات لغرض إعادة إعمار أضرار الحرب وتسديد دين الدولة، الذي يبلغ 140 مليار دولار. حتى الآن يوجد للبنان تعهد من الدول المانحة، اعطي في 2018، بأن يتم تحويل 11 مليار دولار إليه، لكن الشرط لتحويل هذه الأموال، مثل إمكانية أن يحصل لبنان على قروض من صندوق النقد الدولي، كان وما زال إجراء إصلاحات اقتصادية وقانونية شاملة. حتى الآن لم يخرج هذا الطلب إلى حيز التنفيذ. التقدير هو أنه عند ترسخ وقف إطلاق النار، على فرض أن انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان سينتهي في 16 الشهر الحالي بعد التمديد من الولايات المتحدة، ستبدأ حكومة لبنان في تنفيذ خطة الإصلاحات. مع ذلك، من السابق لأوانه القول، إن هذه العملية ستنجح في اجتياز الألغام السياسية القابلة للانفجار التي تنتظرها.

عن "هآرتس"

 

 

 

Loading...