مقالات مختارة

استعداداً لـ«التهديد الوجودي» الحقيقي | اسحق بريك

 

 

 

 

إعلان دونالد ترامب الحاجة إلى إخلاء مليوني غزي من قطاع غزة إلى أماكن أخرى في العالم، الذي يبدو خيالياً أكثر منه واقعياً، يثير غضب العالم العربي ضده، وضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن شأنه أن يؤدي إلى تدهور أكثر خطورة: اتفاق السلام مع السعودية يمكن أن يختفي من الأجندة، والسلام مع مصر يمكن أن يتحطم، وتحالفات قديمة بين دول عربية ضد إسرائيل ستظهر، مرة أخرى، على جدول الأعمال.
أيضا خطة تطبيق المرحلة الثانية في صفقة تحرير المخطوفين أصبحت مشوبة بالشك؛ لأن إسرائيل تربط هذه المرحلة باستسلام «حماس» ونزع سلاحها. لا تلوح احتمالية هذا الاستسلام في الأفق، لأن «حماس» تدرك أن أميركا وإسرائيل لن تُبقيا لها أي أفق للمستقبل، وأنهما تنويان طرد السكان من أراضيهم، ونفيهم إلى أماكن أخرى في العالم.
بدلاً من الانخداع بالأوهام فإنه يجب على المستوى السياسي إطلاق سراح جميع الرهائن بدون وضع شروط لن توافق عليها «حماس» بأي شكل من الأشكال، ووقف الحرب التي فقدت هدفها، والتركيز على إعادة ترميم الدولة، الاقتصاد، المناعة الاجتماعية، العلاقات الدولية، والجيش. يحتاج هذا التغيير إلى رؤية أمنية تختلف عن الرؤية التي بلورها دافيد بن غوريون في الخمسينيات. يجب التسلح بوسائل قتالية جديدة، وعلى الجيش الإسرائيلي تبني نظرية تشغيل تختلف في جوهرها. كل ذلك لم يحدث في الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة بسبب الجمود الفكري والعملي والغطرسة والسذاجة والغرور وعدم المهنية والتهرب من المسؤولية والإهمال المجرم.
تدهور الجيش الإسرائيلي، وتخلى عن أمن إسرائيل في كل المجالات. فلم تتم بلورة نظرية أمنية مناسبة للحروب الحالية والحروب المستقبلية، فالجبهة الداخلية لم يتم إعدادها للحرب، والجيش البري تم تقليصه، ولا يمكنه الصمود أمام تحديات الحرب، ولم يتم في الجيش بناء نظرية دفاع وهجوم في مواجهة الصواريخ والقذائف والمسيرات.
في أعقاب غياب نظرية أمنية وعدم فهم الواقع في المستوى السياسي وفي المستوى الأمني لم يقم الجيش الإسرائيلي بشراء وسائل قتالية جديدة مناسبة للحرب متعددة الساحات، ولم يتم إنشاء سلاح مضادة لصواريخ «ارض – ارض» من أجل تدمير منصات إطلاق صواريخ العدو، التي ستكون ناجعة اكثر من الطائرات لهذه المهمة. كان يجب أن تكون هناك مبادرة وطنية مع الولايات المتحدة لتطوير وإنتاج سلاح ليزر قوي يمكنه المس بالصواريخ البالستية للعدو، الذي هو أرخص بمئات الأضعاف من الصواريخ التي توجد لدينا مثل «الحيتس» و»مقلاع داود» و»القبة الحديدية». بسبب الثمن الباهظ فإن احتياطي هذه الصواريخ ضئيل جدا، وفي أثناء الحرب متعددة الساحات ستنفد خلال بضعة أيام. إضافة إلى ذلك فإن الليزر القوي هو الوسيلة الوحيدة التي يمكنها اعتراض الصواريخ فرط صوتية المتملصة. لم يتم شراء قواعد إطلاق متعددة الفوهة موجهة بوساطة الرادار، التي فعاليتها ضد المسيرات كبيرة. ولم يتم شراء عشرات آلاف المسيرات لمهمات استخبارية وهجومية، وزيادة الجيش البري.
كل ذلك بسبب رؤية مشوهة للمستوى العسكري الأعلى، الذي واصل تخيل حروب الماضي وقام ببناء القوة العسكرية بالأساس على الطائرات التي مكانتها في الحروب العالمية آخذة في التقلص لصالح الطائرات بدون طيار والمُسيرات. إضافة إلى ذلك لم يرد المستوى السياسي والمستوى العسكري الأعلى على التغيرات في الجيوش العربية التي أعدت نفسها للحروب التي تغيرت بشكل كامل.
التهديد الوجودي، الآن، على دولة إسرائيل لا شيء مقارنة بالتهديد الوجودي في المستقبل. الجيش البري فيها صغير، ولا يمكنه المحاربة في أكثر من جبهة، لكن سيكون عليه المحاربة في خمس جبهات برية على الأقل في الوقت ذاته. عندما ستندلع حرب إقليمية متعددة الجبهات وشاملة فسيكون على الجيش الإسرائيلي المحاربة ضد قوة «الرضوان» التابعة لـ»حزب الله» في لبنان، التي ستتعزز، مرة أخرى؛ في مواجهة «الدولة الإسلامية» الجهادية المتطرفة في سورية، التي تدعمها تركيا؛ ضد الميليشيات المؤيدة لإيران على الحدود مع الأردن. إذا حدثت انتفاضة في الأردن، مثلما حدث في سورية، فإن إسرائيل ستشعر بتأثير الدومينو، وسيكون وضعها أصعب بكثير. كل ذلك بسبب تقليص الجيش البري في العشرين سنة الأخيرة.
في الوقت الحالي، لا توجد لإسرائيل قوات على طول الحدود مع الأردن، ومنذ سنوات لا تقوم بمنع عمليات تهريب مئات آلاف قطع السلاح والعبوات إلى «يهودا» و»السامرة»، ما يمكن أن يتسبب في تفجر انتفاضة ثالثة. يجب الأخذ في الحسبان بأنه في ظروف معينة هناك إمكانية لانضمام مصر للحرب، وهكذا أيضا «حماس» في قطاع غزة.
هذه هي السيناريوهات التي يجب على الجيش الإسرائيلي الاستعداد لها. إذا لم يحدث أي شيء فطوبى لنا. ولكن إذا حدثت كارثة فإن وضعنا سيكون سيئا ومريرا. يجب الاستعداد للإمكانية الكامنة في التهديد المحتمل، وليس تقدير نوايا العدو، كما فعلت «أمان» في السابق ودائما كانت مخطئة.
تم انتخاب رئيس جديد لهيئة الأركان، هو ايال زمير، الذي يستطيع، وهو قادر ويعرف كيفية ترميم الجيش. ولكن هناك خوفا كبيرا من أن بنيامين نتنياهو والحكومة، الذين بقاؤهم في الحكم أكثر أهمية من أي شيء آخر، سيضعون العصي في الدواليب، وسيحرصون على إرسال الجيش الإسرائيلي لمواصلة الحرب التي فقدت منذ زمن هدفها. هذا الوضع لن يسمح بإعادة ترميم الجيش وإعداده للتحديات في الحاضر والمستقبل.

عن «هآرتس»

 

 

 

 

Loading...