الامبراطور ترمب! رجل سلام أم سمسار عقارات؟

 

 

 

السلوك الاستفزازي لأمريكا لا يؤدي إلا إلى صب الزيت على النار، بعد أن أصبحت أمريكا وحلفائها أكبر ممول للحروب في العالم بشكل صريح وعلني، تبنٍ كامل لإسرائيل بحربها في غزة، وفي أوكرانيا وصل حجم المساعدات الأمريكية الأوروبية المقدمة منذ بداية الحرب إلى ما يقارب (150مليار دولار)، فنحن في عالم معقد، وأكثر تعقيداً أن تقفر على قرن وحيد القرن، الحروب المباشرة بين الدول العظمى مستحيلة والسلام أيضاً بينها غير ممكن لذلك الصراع مستمر ويتخذ أشكال مختلفة حروب بالوكالة وحروب اقتصادية وحروب طاقة الخ، وعلى الدول الضعيفة والصغيرة أن تكيف نفسها لتدفع أقل ثمن في هذا الصراع.

الامبراطور ترمب رجل سلام أم سمسار عقارات؟!، ترمب الذي استطاع بحركة من اصبعه ضبط الحرب في الشرق الأوسط، ليدخله في السلام الأبدي، كمن يريد أن يقدم العرب كفصيلة من الهنود الحمر، هدية للذئاب "أولئك البرابرة"، بعد ما أعلن غزة ماسة للشرق الأوسط، هذا هو السيناريو الأمريكي الإسرائيلي لتغيير الشرق الأوسط بالتهجير وتغيير هوية الأرض، يتبقى أمامه حرب كبرى "أشعلها سلفه لكسر هيبة القيصر الروسي"، لتنفيذ وعوده الانتخابية، فهل يستطيع بحركة من اصبعه إيقاف الحرب الأوكرانية، وماذا يخبئ لأوكرانيا؟؟ 

ترمب لا يفكر إلا بالمال ، يومياً وكل ساعة تصريحات جدلية ومثيرة له، بما يخص أوكرانيا: "فأوكرانيا قد تصبح روسية يوماً ما"، بلا عجب، مع انضمام أربع مقاطعات أوكرانية لروسيا, كل الأرض أم يكفي هذه المقاطعات مع القرم، هذه الصفقة التي يقترحها ترمب  تنازل أوكرانيا عن بعض أراضيها مقابل تعهد روسي باحترام سيادة أوكرانيا مستقبلاً، فالأرض مقابل السلام، تصوره نال رضى بوتين الذي دخل في الوحول الأوكرانية بحرب استنزاف جعلته يبيع في سوريا ليشتري في أوكرانيا بصفقة الأشقاء بين ترمب وبوتين، وتنحية زيلينسكي كشرط روسي لبدء الحوار، والأخير يحدث ترمب باللغة التي يفهمها، المال، يبيع ليبقى، فقدم عروض على الشركات الأمريكية لإعادة الاعمار وامتيازات استثمارية كبرى داخل أوكرانيا، وما يقارب (500 مليار دولار) من المعادن النادرة، تلبية لطلب ترمب باستعادة الأموال التي أنفقتها بلاده على الحرب، فتلك المنطقة تملك احتياطات هائلة منها، إضافة للنفط والغاز.

حرب أوكرانيا تدخل عامها الرابع، ولا خرق عسكري يحسم المعركة، أو يحمل نصراً يقلب موازيين الحرب لصالح أحد طرفي الصراع، وإن الأزمة في أوكرانيا على أهميتها، ليست أوكرانية بحتة، إذاً نحاول أن نستعيد ما حصل، وما يحصل منذ اندلاع الحرب، المفترض حسمها في أيام قليلة، كما روج لها الإعلام الروسي وقتها، من الاستيلاء على أوكرانيا في غضون ثلاثة أيام فقط من بدء الحرب، ولكن ربما أخطأت التقديرات ولم تحقق النتيجة المرجوة، ضخ حلف الناتو ما في جعبة أعضائه، لدعم أوكرانيا في حربها، فكان سقف الآمال الغربية والأوكرانية مرتفعاً لتحقيق انتصارٍ عسكري، لكن التحصينات العسكرية الروسية أفشلت كل الخطط، ولجمت القوات الأوكرانية وأرهقتها بشكل كبير.

الصراع الروسي الأوكراني مر بتحولات كبيرة ومعارك دامية بين الطرفين، تكللت بتقدم القوات الروسية والسيطرة على خُمس الأراضي الأوكرانية، كان تقدماً بطيئاً ولكنه ثابت باعتراف أمريكا والغرب مع يقينها أن "الانتصار الروسي مؤلم ولكنه محتوم"، فضلاً عن التغيير الكبير الذي طرأ على أوروبا بعهد بايدن منها سباق تسلح مع ما يتطلبه من إنفاق عسكري كبير، وتوسع حلف الناتو عبر انضمام السويد وفنلندا على الحدود الروسية الشمالية، انتشار عسكري واسع للقوات الأمريكية في أوروبا وانخراطها في دعم لا متناهي لأوكرانيا بحرب وكالة مع روسيا، وتهديدات روسية بحرب مباشرة مع أوروبا إذا استمر الدعم الأوربي لأوكرانيا، ناهيك عن انخراطها بالعقوبات الاقتصادية الصارمة ضد روسيا، تكرار سيناريو ماضي عندما تحرك هتلر باتجاه بولندا بعد التشكيك والنمسا، وبالتالي الحرب الحالية مع روسيا حرب وجودية، ودعمها هو لتلافي صراع أكبر تراه أوروبا يلوح في الأفق في حال نجح بوتين في فرض سيطرته على أوكرانيا، وبالتالي لابد من صده.

وسط محاولات  إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، الوقت على حساب الجميع وبوتين له الأفضلية في ظل الإدارة الترامبية، هناك قلق أوروبي كبير من قرارات وتصريحات ترمب، والأوروبيون يشككون بالتوصل إلى اتفاق أو خطة استراتيجية تراعي المصالح الأوروبية وتحمي سيادة أوكرانيا وتعزز السلام في أوروبا، ومن سيدفع الثمن هو الأوربيون، مما يجعلهم يخسرون هذه الحرب الذين استثمروا فيها كثيراً، وفي تصريح لزيلينسكي:"إن أي تنازلات لروسيا هي خسارة لأوروبا"، سقوط أوكرانيا يعني سقوط دول أوروبية أخرى وهذا ما لا ترغب به الدولة العميقة في أمريكا بغض النظر عن موقف ترمب المعادي للحلف وللاتحاد، فالأوروبيون منزعجون من حليفهم الأمريكي الذي بدأ يكسر كل القواعد، وعن مستقبل الناتو الذي يفترض يحميهم في وقت تواجه أوروبا حرباً مدمرة على أطرافها تقودها روسيا، وسيكرس "الدب الروسي" كل إمكانياته لحسمها، "روسيا قد تخسر معركة، ولكنها لا يمكن أن تخسر حرباً"، وبالتالي هو توسيع نطاق الضربات الروسية سواء الصاروخية والمدفعية، لتزيد المخاوف بشأن احتمال نشوب "حرب عالمية ثالثة"، يشعلها ترمب ويطفئها.

فنحن إزاء أشهر فاصلة، سيكون مصير أوكرانيا مفصلياً وربما أشد سوءاً، فإن التفاعلات الأوكرانية الداخلية والخارجية مستمرة، وكلا الطرفين يريد أن يعزز موقفه وأوراقه لإنهاء الصراع، ترمب سوف يتخلى عن أوروبا ويتخلى عن أوكرانيا، فعلى أوروبا أن تهيء نفسها حتى تكون قادرة على الدفاع عن نفسها وعن أوكرانيا والوقوف ضد المد الروسي، دون الحاجة للحماية الأطلسية الأمريكية، خطة الـ 24 ساعة لإنهاء هذه الحرب فشلت فهو لا يملك وسائل للضغط على الطرفين، ولا يستطيع القيام بتغيير استراتيجي في الموقف الأمريكي من أوكرانيا إلا ضمن حدود معينة، مما يؤرق ترمب ويحرجه، الحرب ستنتهي وإن لم تكن خلال يوم، فعاد بجدول الــ 6 أشهر، بالتواصل والتحدث بشكل مباشر مع بوتين وزيلينسكي، مشهد المفاوضات الأوكرانية سوف يضاف إلى مشهد المفاوضات الفلسطينية والإيرانية، والسورية، والسودانية، ووو، فهل سيحقق ترمب وعده بإيقافها؟؟

 

 

 

Loading...