مقالات مختارة

معنى "دولة فلسطينية" حروب لا تتوقف!

بقلم: زلمان شوفال

لقد تصرف رئيس الوزراء بحكمة حين أراد تأجيل البحث في اليوم التالي للحرب.
إذ إنه في التسيب التسريبي القائم كان واضحاً أن الموضوع سيثير خلافات زائدة في وسط الحرب، لكن الدوافع السياسية الداخلية والدولية فعلت فعلها وها نحن نوجد في وسط دوامة في الموضوع.
فإدارة بايدن تدفع قدماً باقتراح يربط إعمار قطاع غزة بعد الحرب بإشراك مجموعة من الدول العربية وباستئناف مسيرة التطبيع بين السعودية وإسرائيل.
في هذه اللحظة وإن كان الحديث يدور عن خطة للمستقبل، لكن في الطريق إليها تضغط واشنطن منذ الآن على إسرائيل لزيادة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، دون اشتراط هذا بتحرير المخطوفات والمخطوفين، ما من شأنه أن يطيل القتال ويزيد المخاطر على جنودنا.
ولئن كان ما ذكر أعلاه موسيقى خلفية، فإن زيارة وزير الخارجية بلينكن الأسبوع الماضي عدة عواصم عربية، إسرائيل والسلطة الفلسطينية تضيف إلى هذا شرعية رسمية.
وكما أفيد تلقى الوزير من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومن زعماء عرب آخرين تعهداً بالمساعدة في إعمار غزة إلى جانب الموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
للسعودية بالفعل توجد مصلحة في العلاقات مع إسرائيل لأكثر من سبب، لكن هدفها الأساس هو اتفاق أمني مع أميركا وذلك رغم التحسين الظاهر للعلاقات مع إيران.
كما أن السعودية طرحت تحفظاً اشترط العلاقات مع إسرائيل بمسيرة نحو إقامة دولة فلسطينية.
ينبغي الترحيب بإشراك دول عربية في إعمار غزة وبالسعي إلى تسويات إقليمية شاملة، وبخاصة بسبب تقدم إيران نحو سلاح نووي وأعمال وكلائها الإقليميين في أرجاء الشرق الأوسط.
لكن السؤال هو أي تسوية إقليمية، ويوجد بالطبع فرق جذري بين التطبيع في الطريق إلى إقامة دولة فلسطينية في المستقبل وبين دولة فلسطينية الآن كشرط للتطبيع.
مقال في عدد «فورن أفيست» الأخير، وهي المجلة التي تعطي الصدى أحياناً لميول السياسة الخارجية الأميركية، عرض موقفاً واضحاً من المصالحة تجاه إيران بما في ذلك منحها دوراً في حل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
في هذا السياق فإن تصريح وزير الخارجية بلينكن في القاهرة بأن دولة فلسطينية هي الطريق الأفضل لعزل إيران يعطي الانطباع بأن الإدارة تنظر إلى الشرق الأوسط عبر الجانب الآخر من المنظار، إذ إن دولة فلسطينية ذات سيادة («من البحر إلى النهر») ودون أن يعترف الفلسطينيون بشكل كامل، رسمي وأيديولوجي ليس فقط بوجود إسرائيل بحكم الأمر الواقع بل وأيضاً بحق الشعب اليهودي بدولة خاصة به (شرط طرحه الرئيس بايدن نفسه في حينه) معناها عروض لا تتوقف وخلق كيان سياسي وإقليمي آخر يخضع للنفوذ الإيراني على مسافة مئات الأمتار عن حدود إسرائيل.
المعركة في غزة هي بالفعل ذات معانٍ عالمية وإقليمية واسعة، حين يدور الحديث عن صراع بين المعسكر الديمقراطي والليبرالي بقيادة الولايات المتحدة وبين محور الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية وإيران، ولإسرائيل بالتأكيد مصلحة من الدرجة الأولى في حفظ قوة ومكانة أميركا الدولية وباستقرار الداخلية.
في «واشنطن بوست» وإن كان كتب أن الولايات المتحدة ستنتظر «اليوم التالي لنتنياهو»، لكن ما ليس أقل صلة وربما أكثر، هو بالنسبة لليوم التالي لبايدن.
اليوم تجرى انتخابات مسبقة في ولاية نيو هامشير تقرر المكانة الرفيعة لنيكي هيلي في السباق إلى ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، مكان رفيع لكن ليس الأول، لأن دونالد ترامب يتصدر بفارق واسع وإذا لم تضع المحكمة العليا حداً لترشيحه، فهو الذي سيتنافس ضد بايدن، وحسب الاستطلاعات لديه فرصة للفوز.
في إسرائيل يوجد من يتحمس لإمكانية أن يحصل هذا – إحساس مفهوم في ضوء خطواته في صالح إسرائيل في ولايته السابقة – لكن لعله من المجدي أن نذكر أنه بالنسبة للحرب في غزة والفظائع التي سبقتها، فإن ترامب الذي هو غير متوقع دوماً وإن كان أعلن أن «لديه ما كان هذا ليحصل»، دون أن يفصل، لكنه أضاف إن من الأفضل للولايات المتحدة أن تسحب يديها من كل الموضوع. كما أنه أعلن أنه يعارض عملية عسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
ينبغي أيضاً أن نذكر بأن خطوات ترامب في دعم إسرائيل كانت على خلفية واقع سياسي معين في إسرائيل لا يوجد يقين أنه سيوجد في السنوات القادمة أيضاً.
يمكن الاختلاف مع بعض من الخطوات السياسية التي يخطط لها بايدن ويجب الصراع ضدها مثلما صارعنا بنجاح ضد خطوات لإدارات سابقة، لكن يجب عدم تجاهل وقفته الفورية والعملية إلى جانب إسرائيل بعد 7 أكتوبر، رغم الاعتراض في حزبه وفي أقسام واسعة من الجمهور.
حتى لو كانت وستكون لنا جدالات حول بعض من خطواته، فهذا لا يقلل من أخلاقية أفعاله.
من سيقررون في تشرين الثاني التالي ليس نحن بل الأميركيون ومهما كانت النتيجة فإن إسرائيل ستبقى تسعى قدر الإمكان لتنسيق المواقف مع حليفتها الاستراتيجية الأولى في العالم والذي يصبح أكثر خطراً.

عن معاريف

 

Loading...