قمم العرب وتعديل الموازين

قمة الرياض الأخوية

 

 

 

منذ عُقدت أوّل قمّة عربية وإلى ما قبل قمّتَي الرياض المحدودة والقاهرة الموسّعة، اتّخذت القمم الدورية والاستثنائية طابعاً تقليدياً اتّسم باتّخاذ قرارات مستنسخة عن القرارات السابقة، فضَعُف الاهتمام الشعبي بها وازدادت اللامبالاة الدولية بقراراتها.

على الرغم من ذلك، كانت تلك القمم ضرورية للحفاظ على صورة النظام العربي وتضامن دوله، خصوصاً في القضية الفلسطينية وحقوق شعبها وتمويل حركتها الوطنية ممثّلة بمنظّمة التحرير التي ولدت في قمّة عربية ونمت وترعرعت بفعل الدعم العربي الذي توَّجها بإجماع كامل ممثّلاً شرعيّاً وحيداً للشعب الفلسطيني.

غير أنّ التطوّرات المتسارعة على ساحة الشرق الأوسط، التي أنتجت حروباً وصراعات ومبادرات سياسية مختلفاً عليها، زادت من ضعف تأثير القمم في هذه القضايا، وبرزت ظاهرة تنطوي على غرابة مفادها أنّ الساحة العربية، التي صارت ساحة صراع كوني على جغرافيّتها ومصائرها، كانت مفتوحة على تدخّلات خارجية عديدة، بينما العرب أصحاب المكان هم الأخفّ وزناً والأقلّ حضوراً على ساحتهم، بل والضحيّة الوحيدة.

في زمن “الربيع العربي” الذي أسفر عن متغيّرات جذرية في النظم والخيارات والمجتمعات، غابت تماماً القمم وغابت أيضاً الحدود الدنيا لتضامن عربي على أيّ أمر، ورأينا ما رأينا من كوارث ألمّت بالحالة العربية بحيث بلغت خساراتها البشرية والاجتماعية والسياسية ما لم تبلغه كلّ الكوارث التي سبقت.

ثمّ جاءت حرب غزة التي بدأت بزلزال السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل)، وجعلها الردّ الإسرائيلي عليها وطول أمدها والخسائر الفادحة جرّاءها الحدث الدولي الأوّل على نحو فاق من حيث الاهتمام والتغطية الإعلامية الحرب الروسية الأوكرانية.

جرّاء حرب غزة وقفت المنطقة كلّها على حافة حرب إقليمية نجت منها بفعل التقاء مصالح الدول المؤثّرة، وبفعل الوساطات التي كانت أميركا جزءاً منها ولم تسفر عن وقف الحرب لكنّها تمكّنت من إبقائها في حيّزها المحدود على الجبهات السبع وفق توصيف بنيامين نتنياهو.

الآن حيث الحضور الدراماتيكي الصارخ للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والاستغلال الإسرائيلي لهذا الحضور، ربّما تكون المدافع توقّفت بصورة مؤقّتة، مع بقاء احتمالات تجدّدها، إلّا أنّ التطوّر الأشدّ فداحة جاء من خلال مشروع الرئيس دونالد ترامب بشأن غزة. إذ تجدّدت فكرة تهجير ملايين الغزّيين إلى مصر والأردن وإلى أيّ بلد يقبل استضافة أعداد منهم، بما أوصل الحالة إلى درجة من العبثية غير المنطقية لم يتوافر معها حلّ لغزّة، بل أزمات جديدة أكبر وأخطر لدى دول الجوار.

اللافت أنّ صاحب المبادرة صادر مواقف ومصالح الدول الرئيسية المعنيّة، فتشجّع نتنياهو على المضيّ قدماً في أجنداته التي أساسها منع قيام دولة فلسطينية على أرضها الطبيعية الضفة والقدس وغزّة.

فيما يترقّب الجميع خطوات التطبيع المفترضة مع السعودية فاجأ نتنياهو العالم بتصريح استفزازي ينطوي على تطاول صارخ على المملكة وسيادتها، حين دعاها وهي المعنيّة بقيام الدولة الفلسطينية المستقلّة إلى أن تقيم هذه الدولة على أراضيها.

حتّمت الحالة العامّة في الشرق الأوسط والمشاريع المعلنة والمضمرة للسيطرة عليه وعلى أهله، على العرب مواجهة الأخطار المحدقة بهم، التي هي قيد التنفيذ، وتجاوز الصيغ القديمة التي حكمت قممهم المتعدّدة إلى صيغ جديدة أساسها ملء فراغ المنطقة بجهدهم وإمكاناتهم ومواجهة الأخطار المحدقة بهم بسياسة جماعية بجملتها وتفاصيلها، واستغلال متقن للأوراق المتوافرة لديهم، والوضع في الاعتبار أنّ لديهم من الإمكانات الحقيقية أكثر بكثير ممّا لدى غيرهم، وأوّل وأهمّ وأعمق هذه الإمكانات أنّهم الموجودون على أرض الشرق الأوسط دولاً وشعوباً وثروات.

القمم المنشودة، المصغّرة منها والموسّعة، بحاجة إلى ما هو أكثر أهمّية من القرارات والمواقف، والمقصود هنا الآليّات التي تجعلها قابلة للتنفيذ، والتحالفات القائمة على أساس الاحترام المتبادل، وخدمة المصالح المتبادلة. وهذه لم تعد ضرورة عربية أو إقليمية وحسب، بل هي ضرورة دولية، ذلك أنّ الاحتشاد، الذي أنجزته المملكة العربية السعودية بشأن الدولة الفلسطينية، يجسّد حالة مؤاتية لنشوء علاقات وتحالفات، لكنّ هذه المرّة مع عرب موحّدين بكلّ ما يملكون ويستحقّون.

 

 

 

 

Loading...