أعدّ حزب الله وإيران تشييعاً ضخماً للأمينين العامين السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.
وإذا كان التشييع بهذه الصورة وهذا الحجم يعتبر تكريماً لرجال كانت لهم مكانة مرموقة في الحزب والبلد والمنطقة، إلا أنه عملياً بمثابة استعراض قوة لحزب تولى القيادة الميدانية لمعسكر الممانعة، الذي مثّل أهم أذرع إيران في الشرق الأوسط، وحقق نفوذاً مميزاً للجمهورية الإسلامية في أهم جغرافياته، وخصوصاً الواقعة على خط التماس مع إسرائيل.
كان حضور حزب الله في لبنان شاملاً ومتحكماً بحيث لم يتمكن البلد من انتخاب رئيس جمهورية طيلة اعتراضه على ذلك.
وكان حضوره في سوريا أثناء حقبة آل الأسد فعّالاً على الأرض، بقدر ما كانت روسيا فعّالة في الجو، وينُسب للحزب دورٌ رئيسي في إنقاذ النظام بعد أن كاد يسقط، ما وفّر لإيران حضوراً إقليمياً مقرراً في ساحة تبعد عنها آلاف الأميال.
غير أن هذا الحضور القوي للحزب كلّفه خسائر باهظة فوق قدرته على الاحتمال، لم تكن الخسائر لتقتصر على الأرواح والمعدات والممتلكات، بل تجاوزت ذلك للجغرافيا الثمينة التي كان حزب الله يتحكم بها ويعمل بحرية فيها، إذ خسر وجوده القوي المتجذر في جنوب لبنان، حيث حاضنته الأساسية، ليضطر للإنسحاب إلى شمال الليطاني.
والأفدح خسارته الكنز السوري، الذي لا يقدر بثمن، بما يعني خسارة الطرق الآمنة للإمداد الإيراني الاستراتيجي.
وخسر كذلك الفيتو على جميع القرارات اللبنانية التي لا تتفق مع مصالحه ونفوذه المهيمن.
والخسارة الأفدح والتي لا تعوّض بسهولة هي كوكبة القادة الفعّالين في حروبه ونفوذه، وعلى رأسهم القائد الظاهرة السيد حسن نصر الله الذي يشبع اليوم إلى مثواه الأخير على بوابة بيروت الجنوبية.
الحزب من خلال خطابات السيد نعيم قاسم ومن خلال التشييع الضخم الذي سيتم اليوم، يقف على مفترق طرق إمّا التوجه نحو مواصلة نهج قائده الراحل السيد حسن نصر الله، عرّاب الحرب مع إسرائيل ورمز النفوذ العميق والمهيمن في الحياة اللبنانية الداخلية، أو الذهاب في اتجاه آخر وفق حسابات القوة والتوازنات الجديدة التي نشأت، والتي جعلت لبنان محمية أمريكية فرنسية وعلى نحو ما دولية، كلا الاتجاهين محفوفٌ بالمصاعب وأكبرها ضعف العرّاب الأكبر في طهران وفقدان الساحة السورية وغموض مآل حرب غزة التي لم تحسم بعد.
القرار أولاً وأخيراً بيد الحزب وقادته وجمهوره، وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة بعد التشييع المهيب.