لم تكن أرض الجزائر الساحة الأولى التي انتصرت فيها الثورة الجزائرية على الإستعمار الإستيطاني الفرنسي.
لم تكن أرض فيتنام (الجنوبية) الساحة الأولى التي انتصرت فيها الثورة الفيتنامية على الإستعمار والعدوان الأميركي.
لم تكن أرض جنوب إفريقيا الساحة الأولى التي انتصرت فيها ثورة الأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا، على حكومة ونظام الأبرتهايد للأقلية البيضاء.
و..لن تكون أرض فلسطين الساحة الأولى التي ينتصر فيها شعبنا الفلسطيني على الإحتلال والإستعمار الإسرائيلي.
لكن:
انتصرت الثورة الجزائرية، بداية، في ساحة الرأي العام الفرنسي، وتمّت ترجمة هذا الى انتصار على أرض الجزائر.
انتصرت الثورة الفيتنامية، بداية، في ساحة الرأي العام الأميركي، وتمّت ترجمة هذا الى انتصار على أرض فيتنام.
انتصر مناضلو الأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا، بداية، في ساحة الرأي العام الدّولي، وتمّت ترجمة هذا على أرض جنوب إفريقيا.
هذا هو القانون في مواجهة قوة غاشمة، تملك من عناصر القوة العسكرية، ما لا طاقة لأصحاب الحق الوطني والشرعي في مواجهته، وإفشاله، ودحره، والتّغلب عليه.
تعقيدات قضية شعبنا الفلسطيني، في مواجهة اسرائيل والحركة العنصرية الصهيونية، تبرز بوضوح عندما نلاحظ أنها تشكّل خليطاً مركّزاً ومتداخلاً للصِّعاب التي واجهتها التجارب الثلاث المذكورة:
1ـ واجه الشعب الجزائري الشقيق استعماراً استيطانياً. وما نعانيه أكثر قسوة وتعقيداً: إحتلال ومجازر وتهجير و"نكبة" سنة 1948، واستعمار استيطاني منذ حرب حزيران/يونيو 1967.
2ـ واجه الشعب الفيتنامي استعماراً أميركياً لفيتنام (الجنوبية)، وحرباً بالغة الدّموية على فيتنام (الشمالية)، ويواجه شعبُنا استعماراً إسرائيلياً لما تبقى من أرض فلسطين بعد الإحتلال الأول.
3ـ واجهت الأغلبية السوداء في جنوب أفريقيا نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد)، ويواجه شعبنا الفلسطيني، مثل تلك الأغلبية، من نظام طبق الأصل.
هذه التجارب المنتصرة، كرّرت أمامنا درساً واحداً ثلاث مرّات: ساحة مجتمع العدو هي السّاحة الأهم، بعد الساحة الوطنية طبعاً. والتأثير فيها، لما فيه مصلحة شعبنا، أمرٌ بالغ الأهمية. وساحة عدوّنا، (رغم كل ما فيها من عيوب، جرّاء ما في تاريخ اليهود من مآسٍ وعذابات)، ليست عصيّة.
ما يثبت أن الساحة الإسرائيلية "ليست عصيّة"، هو ما نلاحظه من عدد متزايد من مُشكّلي الرأي العام في اسرائيل، من كُتاب ومفكّرين وأساتذة ورجال سياسة، يطرحون للنقاش، بإيجابة واضحة، قضايا لم تكن موضوع نقاش منذ عقود كثيرة، يتحدّثون فيها عن قرار التقسيم لسنة 1947، وعن انتهاء عصر "إدارة الصراع" وضرورة "حل الصراع"، وعن المبادرة العربية لسنة 2002، وما الى ذلك.
نداف إيال، أحد الأهم بين كتّاب "يديعوت أحرونوت"، أنهى مقاله يوم الأول من كانون الأول الحالي بـ: "قرارات كبيرة تنتظر قيادة دولة اسرائيل في السنتين المقبلتين؛ قرارات كبيرة مثل تلك التي اتخذها قادة "الييشوف" سنة 1947. نأمل أن تكون تلك قيادة جديرة وذات قدرة على اتخاذها". وهذا بعد أن ضمّن مقاله إشادة بحكمة بن غوريون وحاييم وايزمان وقبولهم بقرار التقسيم.
مئير شطريت، عضو كنيست سابق، وزير قضاء سابق، من حزب الليكود، نشر مقالاً في جريدة "معاريف"، يوم الجمعة الماضي، عن "مبادرة السلام العربية هي، من شبه المؤكّد، الحل الوحيد للسلام الدائم".
أما جريدة "هآرتس"، فقد أعادت يوم الجمعة الماضي، نشر مقال للبروفيسور شلومو أفينيري، (الذي توفي مطلع الشهر الحالي)، وعنوانه: "29 نوفمبر: السيادة والتقسيم"، قال فيه: "إن افتراض القدرة على السيطرة على كامل (أرض اسرائيل) لم يكن صحيحاً سنة 47، وهو الآن أيضاً ليس صحيحا".