مقالات مختارة

الطريقة الوحيدة لتدمير حماس | يئير غولان

 

 

 

اختطاف وقتل الطفلين كفير ويئير بيباس، والكشف عن الحقيقة الصادمة بأن "حماس" أرسلت مع جثتيهما أيضاً جثة امرأة فلسطينية هو تذكار مثير للقشعريرة للفشل الاستراتيجي للقيادة الإسرائيلية.
بنيامين نتنياهو قوي بالكلام، ولكنه ضعيف بالأفعال. فهو يعد بالانتقام من "حماس"، يصرخ ويهدد، لكن عملياً ما زالت "حماس" موجودة وهي تواصل السيطرة في قطاع غزة.
الحقيقة البسيطة هي أن "حماس" ما زالت على قيد الحياة بفضل نتنياهو، وما زال نتنياهو على قيد الحياة بفضل "حماس".
هذه علاقة تكافل، حولت حكم "الإرهاب" في قطاع غزة إلى جزء لا يتجزأ من الواقع السياسي في دولة إسرائيل. لذلك فإنه كلما صرخ نتنياهو أكثر فإنه يكون واضحاً أكثر أنه يحاول إخفاء الحقيقة، وهي أنه ضعيف، ويعتمد على "حماس"، ويخشى من أن يشم المواطنون في إسرائيل الرائحة الكريهة لهذه الصلة.
يكرر نتنياهو ويعلن أن "حماس" توجد على شفا الانهيار، لكنه فعلياً يواصل سياسة تمكن هذه المنظمة "الإرهابية" من الحفاظ على سلطتها.
بدلاً من تدمير "حماس" فإن نتنياهو يواصل اللعبة السياسية الخطيرة والساخرة ذاتها، التي تستمر منذ عقد ونصف العقد.
السياسة التي استمرت لفترة طويلة لنتنياهو – تحويل مليارات الدولارات من قطر إلى "حماس"، وتجنب الدفع قدما ببديل سلطوي معتدل في قطاع غزة، وصد أي محاولة لإيجاد أفق سياسي، كل ذلك عزز هذه المنظمة خلال هذه السنوات، وأدى في نهاية الأمر إلى "المذبحة" في 7 تشرين الأول.
الانتقام الحقيقي من "حماس" ليس بالأقوال التهديدية أو العمليات العسكرية المحددة، بل بتدمير حكمها.
الطريقة الوحيدة للمس بهذه المنظمة "الإرهابية" "المقيتة" هو بناء بديل ثابت ومعتدل لنظام حكمها في القطاع.
خلق سلطة جديدة ومتزنة، ستتعاون مع المجتمع الدولي، هو الرد الحقيقي على "الإرهاب". من يرد وبحق الانتقام من "المخربين الملعونين" وضمان أمن دولة إسرائيل يجب عليه أن يقود عملية تعمل على استبدال "حماس"، وليس فقط استخدامها عدواً مريحاً لأغراض سياسية. كانت الزعامة الصهيونية الشجاعة ستضمن نزع السلاح بشكل مطلق من القطاع.
كانت إسرائيل ستحافظ على حرية عمل أمني كاملة حتى تحقيق الاستقرار.
وكل قطاع غزة كان سيبقى تحت إشراف عملياتي وثيق. "حماس" كان سيتم إبعادها كلياً عن إدارة الأمن، الاقتصاد، والمجتمع المدني في القطاع. وبدلاً منها كان سيقوم حكم فلسطيني معتدل برقابة الدول العربية المعتدلة وجهات دولية.
هذه العملية يجب تنفيذها على مراحل. أولاً، تحديد مناطق آمنة تحت سيطرة فلسطينية معتدلة، وبعد ذلك يتم توسيع الإشراف المدني والاقتصادي، وفي النهاية يتم تشكيل جهاز سلطوي مستقل، مصلحته أن يضرب هو نفسه "الإرهاب".
كانت دولة إسرائيل دائماً تطمح إلى ربط إنجازاتها الأمنية بعملية سياسية داعمة.
وإخراج مصر من دائرة القتال في العام 1979 كان قراراً استراتيجياً دراماتيكياً، أكبر من أي انتصار عسكري.
في المقابل، ضم "المناطق" دون أفق سياسي فقط عمق التهديد الأمني.
الاتفاقات مع مصر والأردن والإمارات أثبتت نفسها ذخراً أمنياً كبيراً، لكن جهود التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين فشلت فشلاً ذريعاً.
الصراع الرئيس في الشرق الأوسط ليس فقط على السيطرة الجغرافية، بل هو حرب على مستقبل المنطقة.
هذا صراع بين قوى معتدلة تطمح إلى الاستقرار والازدهار وبين قوى راديكالية تسعى إلى الفوضى و"الإرهاب".
دولة إسرائيل مجبرة على قيادة تحالف المعتدلين، لكن من أجل فعل ذلك يجب عليها الرقص الخطير مع "حماس" فوراً ومواجهة المتطرفين الموجودين داخلها.
تكفي نواة صغيرة ومتعصبة كي تجر دولة كاملة عن طريق زرع الخوف وعقد تحالفات مصالح ظلامية، أو تعهد ورعاية اللامبالاة العامة. النضال الحقيقي ليس مع عدو خارجي، بل أيضاً على صورة دولة إسرائيل من الداخل.
تقف دولة إسرائيل الآن أمام الأزمة الوجودية الأكثر خطورة في تاريخها، ليس فقط بسبب التهديدات الخارجية، بل بسبب التفكك الداخلي.  
تواصل الحكومة بدلاً من قيادة عملية إصلاح، وإعادة البناء، مهمة التدمير.  وطالما أن نتنياهو وحكومته يمسكون بدفة الحكم فإنه لن يكون إصلاح لدولة إسرائيل. التغيير الحقيقي يمكن أن يأتي فقط مع استبدال الحكومة والتعهد بوضع استراتيجية جديدة تفضل أمن دولة إسرائيل على البقاء السياسي.
أوجد التدمير الشديد في قطاع غزة فرصة تاريخية للتغيير. دولة إسرائيل يمكنها أن تقود عملية دولية لإعادة إعمار القطاع وإنشاء حكم معتدل هناك، لكنها لن تستطيع فعل ذلك طالما أن نتنياهو يتمسك بالكرسي.  من يبقي "حماس" في غزة من أجل الإبقاء على حكمه لن يجلب الأمن لدولة إسرائيل، ومن يلعب بخوف الجمهور لن يجلب الوحدة والأمل.
حان الوقت لقيادة صهيونية جديدة، مسؤولة وأمنية، ستفضل مصالح دولة إسرائيل على البقاء السياسي الشخصي.

عن "هآرتس"

 

 

 

Loading...