دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" هي مقدرنا الوطني: الوحدة النوعية في الجيش التي مهمتها استشراف المستقبل. عندما يبحث وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس "أمان"، في مسائل من معنا ومن ضدنا ومن يستعد للحرب ومن هو ومردوع ومن القادر ومن غير القادر، فإن أوراق دائرة البحوث تتحدث من حلقهم. هذا هو الوضع، رغم أن الدائرة فشلت في تقديراتها مراراً في المفترقات الحرجة على مدى السنين، فهي في نظرة تاريخية، تظل النبي الذي كذب العرافة التي أخفقت. رغم هذا، فإنها العنوان الذي يعود إليه الجميع. تحقيق الجيش الإسرائيلي عن دائرة البحوث حتى 7 أكتوبر وفي أثنائه، فتاك. الضابطان اللذان عرضاه أمامي – هو عميد في الاحتياط، وهي رائد في الاحتياط – وصفا صورة أسود من السواد. "أناس أكفاء، مجموعة متميزة، تعيش خارج الواقع"، قال المسؤول. "فشل ذريع".… 13 محققاً عملوا على التحقيق ترأسهم العميد احتياط إيتي برون، الذي كان رئيس دائرة البحوث في الماضي وعاد ليترأسها في أشهر الحرب الأولى. الطاقم عمل على عملين: الأول يصف كيف استعدت حماس للحرب؛ والثاني يصف ما الذي فهمته دائرة البحوث في الزمن الحقيقي. الجواب، أنهم لم يفهموا شيئاً: هوة غير قابلة للجسر تفتح فاها بين ما وقع في غزة وما كان ممكناً فهمه وما فهم بالفعل. اقترحت على المحققين صورة: سائق يتجه في المفترق يميناً بدلاً من اليسار، ومن تلك اللحظة يضيع الهدف حتى لو كانت كل قراراته صحيحة. لا، قالوا. ليس هذا ما حصل. لنفترض أن سائقك خرج من تل أبيب إلى القدس. هو يخطئ في المفترق الأول، بعد ذلك يرى على يمينه بحراً، يتجاهل ويواصل السفر؛ هو يرى صحراء، يتجاهل ويواصل السفر. كانت لهم عشر فرص ليفهموا أنهم أخطأوا، وفوتوها… ما تعلمه المحققون بأثر رجعي هو أن يحيى السنوار ومجموعة حوله استنتجوا، منذ 2017، بأن تحرير فلسطين، أي إبادة إسرائيل، هو هدف قابل للتحقق. التسوية جهد ثانوي، خطوة لتحسين وضع السكان المدنيين، التي تحولت لاحقاً إلى مناورة تضليل. الخطة العسكرية التي خرجت إلى حيز التنفيذ في 7 أكتوبر طورتها حماس منذ 2017.… بدأت مسيرة حماس بالصلة ببناء العائق. لما كانت إسرائيل ستسد إمكانية مهاجمتها من تحت الأرض، كانت هناك حاجة إلى خطة أخرى. والخطة هي حسم فرقة غزة في المعركة فوق الأرض.… أحداث "حارس الأسوار"، التي فسرتها إسرائيل كنصر وكخطوة رادعة، فسرها السنوار العكس: لحماس قدرة على القتال والنصر. “إحساس القدرة يلتقي التفكير بمعركة متعددة الساحات: هذا مشوق"، كما يصف الضباط. "إسرائيل تتعرض للهجوم من لبنان، والعراق، واليمن، وإيران. حين يجتاح حزب الله من الشمال، وحماس من الجنوب، ستجري الحرب بين الخضيرة والجديرة. وستؤدي إلى تحرير فلسطين".… في 2022 يتردد السنوار عدة مرات في تفعيل الخطة، ويقرر الانتظار. في أيار 2023 قرر التنفيذ في أعياد تشرين. عرفت طهران وبيروت بالخطة؛ وعرف بها كل منتم لحماس في غزة. لكن لم يعرف إلا القليلون عن 7 أكتوبر. امتنع السنوار عن حسم الأمور لأسباب أمنية.
هل خرج إلى الحرب بسبب مواجهة تجري في إسرائيل حول الانقلاب النظامي؟ لم يجد المحققون دليلاً على ذلك، لكنهم كانوا حذرين من استبعاد الإمكانية استبعاداً تاماً. أما إذا كان للأزمة تأثير، فقد كان هامشياً، كما يقولون. كل هذا الوصف حكمة تأتي بعد الفعل. هكذا أيضاً التتمة، كما وصف فشل دائرة البحوث. لا ضمانة بألا يقطن المحققون في الحفر ذاتها، والمسؤولون عن الفشل هم من كانوا سيعينون للتحقيق معهم: هذه هي المأساة. جزء منها.… "لم يكن الفشل حادثة مصادفة، بجعة سوداء"، يقول المحققون. “بل كان متعمقاً في ثقافة عمل دائرة البحوث، وفي النهج والفكر. سيستغرق سنوات حتى التحرر من هذه الثقافة”. كما قالوا: “كان هنا إخفاق استخباري كلاسيكي، مثل بيرل هاربر، مثل بربروسا، لكن الفشل يرتبط أيضاً بثورة المعلومات. كل هيئات الاستخبارات فكرت بنفس الطريقة. كان ينبغي للتفكير الموحد أن يقلق أحداً. أما هم فلم يقلقوا” … في كانون الثاني 2023 حولت الدائرة صورة لوزير الدفاع. “حماس مردوعة”، قالت فيها. في 20 أيلول، قبل نحو أسبوعين من الهجوم على الغلاف، وزعت دائرة البحوث وثيقة تصف حماس في الحاضر والمستقبل، وكتبت الدائرة تقول: “بتقديرنا، استراتيجية حماس لحفظ الهدوء في القطاع مستقرة في المدى المنظور للعيان”. كان هذا خطأ الملاحة الأساسي. وحسب التحقيق، كانت عشر فرص لملاحظته: الأولى، صعود السنوار إلى الحكم، في شباط 2017. الدائرة تحمله مسؤولية المفاهيم التي كانت غير ما عرفته عن سلفه، خالد مشعل. بدلاً من أن تفهم حدوث التحول، أصرت على حكومة استمرار. في 2018 وصلت إلى الدائرة معلومة أولى عن خطة حماس. وكان تفويت ثان: الورقة التي كتبت في الدائرة تفسر أن الحديث لا يدور عن خطة تنفيذية، بل عن تطلع لبناء القوة. هكذا أيضاً في 22 حزيران 2019، عندما تعرض الخطة كملاحظة هامشية في الصفحة 63 من الوثيقة. التفويت الثالث كان بعد أحداث “حارس الأسوار”. فهم السنوار بأنه قادر؛ في الدائرة كانوا واثقين من أنه مردوع. الرابعة كانت بعد أن وصلت إلى شعبة الاستخبارات وثيقة “سور أريحا”. لم يفهموا بأن الفكرة أصبحت خطة. التفويت الخامس كان فهم ثلاث حملات للجيش الإسرائيلي ضد “الجهاد الإسلامي”. فقد امتنعت حماس عن الرد في إطار خطة الخداع التي لديها؛ وفي الدائرة كانوا واثقين أنها مردوعة. التفويت السادس كان تجاهل وثيقة المراحل التي وصلت إلى الدائرة في منتصف 2022. السابع، تجاهل خطة الهجوم متعدد الساحات. وكان الثامن، الكتاب الذي بعث به رئيس دائرة البحوث عميت ساعر، لوزير الدفاع غالنت. حذر ساعر من الطريقة التي يفهم فيها العدو تداعيات الشقاق الإسرائيلي الداخلي. وقد ركز على الشمال، وليس على غزة. التفويت التاسع جاء في ضوء معلومات عن تدريبات يجريها ألفا مقاتل نخبة في غزة. فإذا لم تكن نية لإرسالهم إلى المعركة، فلماذا يدربون 2000. التفويت العاشر هو الأكثر ألماً: حتى في ليلة وصباح 7 أكتوبر لم تفهم دائرة البحوث ماذا يحصل في غزة.
التحقيق يعدد أسباب الفشل: الثقافة التنظيمية. تلك الصعوبة الثقافية كانت أيضاً في فهم حزب الله. “أن نعرف مكان نصر الله، لا يعني أننا فهمناه”، يقول المحققون.… النهج: انعدام الفضول، والبحث عن العملة النقدية من تحت الفانوس. فهم مغلوط للتفوق الاستخباري. وصف الواقع بتعابير غامضة. التزام بالمفهوم المغلوط. نظريات التفوق الإسرائيلي. فجوات في معرفة العدو، دينه، ثقافته، أيديولوجيته.… في اللحظة الحاسمة، كانت دائرة البحوث خارج الصورة، منقطعة الصلة… النقطة الأكثر مفاجأة في استنتاجات المحققين، هي رأيهم في التغييرات التي أدخلت على منظومة الاستخبارات عقب قصور يوم الغفران. “فقد ألحقت هذه ضرراً أكثر مما أجدت نفعاً”، يقول أحد الضباط. وفقاً لتوصيات لجنة أغرانات، عُزز البحث في الموساد وفي وزارة الخارجية، وأقيمت دائرة رقابة في شعبة الاستخبارات العسكرية وفي طواقم تفكير معاكس، وسمح لكل جندي للتوجه شخصياً إلى المسؤولين عنه، حتى رئيس “أمان”. “نقول: إذا لم يكن شك، فلا مكان للرقابة”. يقول المحققون. “لا نستمع لها. في أعقاب 7 أكتوبر أقامت “أمان” دائرة رقابة جديدة. قلنا لقائدها أولاً غير الثقافة في “أمان”. بعد ذلك، راقب”.
كُتّاب التحقيق يتطلعون إلى دائرة بحوث أكثر تواضعاً بكثير، وأقل ادعاءً بكثير. “التقدير الاستخباري تخمين فقط”، يقولون. الفشل المدوي في 7 أكتوبر خفض التوقعات. وحلت توقعات ناقصة محل التوقعات الزائدة. تقديري: في النهاية، سيعود الجميع إلى تقديرات دائرة البحوث. ليس لأنها صحيحة – بل لعدم وجود غيرها.
عن يديعوت