أحد أهم مفكرين علم الحرب صن تزو وقبل الكثير من ألفين وخمس مائة عام قال "….. أما المحاربون المنهزمون، فيذهبون إلى الحرب في البداية، ثم يسعون إلى الانتصار". وهذا ينطبق على المستوى المقرر في الحرب الإسرائيلية على شمالي الضفة الفلسطينية، فقد ذهبت إسرائيل إلى هذه الحرب وقد حسم أمر هزيمتها قبل أن تبدأ، فمشروع التهجير هو جوهر تلك الحرب وهدفها الاستراتيجي، وقد حسم أمر التهجير بفشله في حرب غزة وحتى محاولات إحياءه من قبل ترمب باءت بالفشل، ومرد هذا الفشل واضح ولا يحتاج إلى جدل، صمود الفلسطينيين وتعلمهم من تجارب سابقة، موقف دول الإقليم الواضح والصريح، ورفض المنظومة الدولية لذلك. صحيح أن هناك وهم انتصار بتهجير أربعون ألف فلسطيني من مخيمات جنين وطولكرم، ولكنهم -هؤلاء المهجرون- قد انتقلوا من غرفة إلى غرفة أخرى في ذات البيت، هجروا من مخيم ليسكنوا قرية أو مدينة في الوطن، ولم تكن هناك قضية إسرائيلية يمكن أن تحل بتغيير مكان السكن ما دام التهجير في داخل الوطن، الوجود الديمغرافي الفلسطيني والذي يشكل الهوس الاستراتيجي لا يتأثر بذلك ، أن انتقال سكان الناصرة إلى أم الفحم أو انتقال سكان من الخليل إلى بيت لحم لا يشكل معطى سياسي يمكن أن يبنى عليه، وعلى هذا فالتهجير في الضفة هو بيع للوهم لسموتريتش وبن غفير للإبقاء في دائرة نتنياهو العاجزة.
صحيح أن هذا يحمل معاناة كبيرة وصعوبات إضافية في حياة الشعب الفلسطيني، وصحيح أن هذا يندرج في إطار جرائم التطهير العرقي، لكن ذلك لا يشكل متغير سياسي يعكس نفسه على مستقبل الصراع، وحتى لو تم تغيير اسم المخيم إلى حي من مدينة فذلك لا يغير من حقيقة أن ثلثي الشعب الفلسطيني هم لاجئون، وصفة اللجوء لا تتعلق بمكان السكن أو الجهة التي تقدم الخدمات لهم سواء وكالة الغوث أو بلدية أو لجنة محلية، صفة اللجوء تنطبق على الفلسطيني الذي تشرد من وطنه اجباريا وبفعل الاستعمار الإحلالي أيا كان مكان سكناه، هذا الفلسطيني الذي تنتقل معه الرواية من جيل لجيل وحتى لو مات الكبار فالصغار لا ولم ولن ينسوا، اللجوء ليس حكاية يطويها الزمن بل هي التوقيت الفلسطيني للزمن.
نتنياهو يدرك ذلك تماما لكنه يخوض حرب شمال الضفة لحسابات صغيرة وتافهة في علم السياسة وهي إقناع سموتريتش وبن غفير بالإبقاء على دعم استمرار حكومة نتنياهو، هذه الحسابات تجعل من الحرب في شمال الضفة محكومة بمصير وافق الحكومة الإسرائيلية أو بالأحرى ببقاء نتنياهو كرئيس للحكومة.
بعيداً عن العبث الإسرائيلي فإن القضية الفلسطينية، أكبر من حسابات صغيرة كهذه وأعلى من أن يقفز عليها عبر امتطاء صهوة التطبيع، القضية الفلسطينية ليست ملف أمني لدى أجهزة الامن، وحتى وإن كان كبار القادة الفلسطينيين بأغلبيتهم الساحقة قد وصلت بهم الدونية ليقبلوا بذلك فإن القضية الفلسطينية قضية سياسية وطنية بامتياز.
التهجير هي المعركة الخاسرة وربما الأخيرة قبل تسليم إسرائيل بالحقيقة العنيدة وهي حقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال والحرية.
لقد بدأت إسرائيل معركتها الخاسرة عندما أدارت ظهرها للتسوية السياسية مع الفلسطينيين، ولكن هذه هي البداية فقط، لأن النهاية في ظل استمرار هذا المنهج ستكون أكثر من مجرد خسران معركة.