بقلم: سعد كيوان
نتنياهو مستمر في معركة إبادة الفلسطينيين الذين تجاوز عدد ضحاياهم الـ ٢٥ ألف قتيل، ومن بقي منهم على قيد الحياة من مصابين (٦٢ ألفاً) يعيش في العراء بدون كساء وغذاء.. يقابل ذلك إصرار انتحاري من قبل حركة “حماس“، فيما يسعى الضغط الأميركي لوقف حمام الدم في غزة وتسويق حل الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية. وقد قام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بجولة في المنطقة مركزاً فيها على حلّ الدولتين، وقد لاقى ترحيباً وتأييداً من معظم الدول العربية، وتحديداً السعودية ومصر والأردن. وقد توافق هذا الطرح مع اقتراح قديم قدمته السعودية في موتمر القمة العربية الذي عقد في العاصمة اللبنانية بيروت قبل ثلاثة وعشرين سنة أي عام ٢٠٠١ والذي تبنى مفهوم “الأرض مقابل السلام” أي يتضمن لأول مرة دولة فلسطينية مقابل الاعتراف بإسرائيل. وقد تمّ تبني هذا الاقتراح بعد أن تمكن ياسر عرفات من انتزاع اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣ مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة التي كان رئيسها يومها بيل كلينتون، وتم توقيع الاتفاق في واشنطن ما أدى إلى عودة الفلسطينيين والمقاتلين إلى فلسطين وإنشاء السلطة الفلسطينية الحالية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ما حصل لم يكن بالسهل على الإطلاق إذ سبقه ضغط أميركي مكثف لإجبار إسرائيل على التفاوض مع الفلسطينيين، فكان التمهيد لمؤتمر مدريد حول الشرق الأوسط الذي سعت الإدارة الأميركية الجمهورية يومها إلى عقده بإدارة جورج بوش الأب الذي ضغط بقوة على الحكومة الإسرائيلية التي كان يرأسها الليكودي إسحق شامير، والذي كان يرفض المشاركة في مؤتمر مدريد والحوار مع الفلسطينيين. عندها هدد بوش بوقف التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة سنوياً لإسرائيل والبالغ يومها ٢ مليار دولار. وكانت النتيجة أن تراجع شامير وخضع لإرادة بوش وشارك على رأس وفد في الموتمر الذي عقد في نوفمبر ١٩٩١ مقابل مشاركة وفد فلسطيني ترأسه الدكتور حيدر عبد الشافي من غزة والدكتورة حنان عشراوي من رام الله وفيصل الحسني وآخرين. وبطبيعة الحال يتذكر نتنياهو هذه الواقعة لأنه شارك كعضو في الوفد الإسرائيلي وكان يومها سفير إسرائيل في واشنطن. ولذلك يخشى أن يحصل معه كما حصل مع شامير زعيم حزبه السابق. وقد لجأ بايدن إلى تطويق نتنياهو وسحب الذرائع من يده عبر تكثيف الضغط أولاً على الميليشيات التي تأتمر بأوامر طهران والتي تشكل النقيض لنتنياهو بدءاً من العراق حيث تقوم ميليشيات “الحشد الشعبي” الشيعية بمهاجمة القوات الأميركية بحجة دعم فلسطينيي غزة وتجبر الحكومة على الطلب من واشنطن سحب قواتها من بغداد في حين يجري رئيس الحكومة شياع السوداني اتصالاته السرية بعيداً عن الأضواء مع الإدارة الأميركية مؤكداً استعداده للتراجع ومعلناً ليس بقاء القوات الأميركية في العراق فحسب، وإنما أيضاً موافقته على زيادة ١٥٠٠ عنصر على عديدها.
كما تم تكثيف الضغط الإنكليزي والأميركي على الحوثيين في اليمن الذين لم تعرهم واشنطن اهتماماً في السابق فكانوا “يسرحون ويمرحون” مع السعودية، والآن جاء دور الحسم بعدما راحوا يعتدون على حق الملاحة الدولية في البحر الأحمر فيما قرر الاتحاد الأوروبي لأول مرة التدخل عسكرياً عبر تشكيل قوة لحماية البحر الأحمر.
أما في سوريا فالولايات المتحدة تسيطر على معبر النتف الذي يتحكم بالخط الذي تسيطر عليه إيران وتحاول العبور منه إلى العراق ثم إلى سوريا وانتهاء بلبنان.
فيما تسيطر تركيا على الشمال مقابل تمدد روسيا على طول خط الساحل السوري ولكنها تبدو مشلولة بحكم التهاء السلطة بالحرب في أوكرانيا.
أما إسرائيل فتسيطر على الأجواء السورية وتمارس الغارات شبه اليومية تغتال خلالها قيادات إيرانية ومن “حزب الله” كما فعلت قبل أيام باغتيالها رئيس مخابرات الحرس الثوري الإيراني. وقد وجد نتنياهو ضالته في الاغتيالات التي بدأ بتكثيفها في لبنان على “حزب الله” هربا من الضغط الأميركي عليه لإيقاف حرب غزه. فبعد اغتيال العاروري تم اغتيال مجموعة من كوادر الحزب العسكرية والميدانية، تبعها اغتيال وسام الطويل وبعده خبير الاتصالات المهندس علي حدرج الذي تم اصطياده على طريق بلدته التي هي بلدة زعيمه حسن نصرالله، الذي يتوعد بالانتقام كلامياً أو إطلاق بضعة صواريخ!
وبالتزامن تكثف إسرائيل قصفها المستمر لمدن وقرى جنوبية بشكل يومي ويقتصر رد “حزب الله” على قصف بعض المواقع تماماً كما يتعاطى مع الوضع الداخلي اللبناني الذي يقوم عملياً بشله، ولكنه يعجز عن الفعل وتحويل لبنان إلى دولة ممانعة لأن تركيبته معقدة سياسياً ومتشعبة طائفياً ناهيك عن معارضة معظم اللبنانيين لمشروعه الذي يعرض الوحدة الداخلية لخطر الانقسام والتشظي والحرب الأهلية.
وهكذا بإمكان نتانياهو أن يسوق رفضه لمشروع الدولتين إذ أنه يدعي أنه يحارب كل الأصوليين في المنطقة الذين يغرقونها بالعنف والدمار.
عن موقع هنا لبنان