بعد شهرين من عملية "طوفان الأقصى" أعلنت حركة حماس في لبنان، بناء تنظيم رديف تحت مسمى "طلائع طوفان الأقصى"، بأسلوب يشبه إعلان حزب الله سابقاً تشكيل تنظيمه الرديف، المعروف باسم "سرايا المقاومة". وجاء إعلان حماس عن هذا التشكيل مترافقاً مع إفتتاح مقرات إستقبال المتطوعين في المخيمات لتجنيد الشباب الراغبين في القتال من أجل تحرير القدس والمسجد الأقصى، حيث نعيش اليوم زمن التحرير والانتصاركما ورد في بيانات الحركة.
ومع هذا الإعلان ارتفع منسوب السّجال اللبناني الداخلي، لدى القوى المناهضة لمحور الممانعة، بأطيافها كافة، لأنها رأت في الإعلان الجديد ما يبرهن على نوايا انتشار عسكري لحركة حماس خارج المخيمات، برعاية "حزب الله"، وليس مجرد نشاط استثنائي فرضه تصاعد العدوان الإسرائيلي على شعبنا في فلسطين بل صار سلوكاً يدّل على عودة استخدام ارض لبنان، قاعدة انطلاق مجدداً في الصراع المفتوح مع إسرائيل.
لذا عادت ذاكرة اللبنانيين، إلى فترة الحرب الأهلية ومرحلة الكفاح المسلح الفلسطيني، وما يعرّف في الجنوب بمنطقة "فتح لاند"، وكذلك إلى إشكالية "اتفاق القاهرة" الذي تم إلغاءه في مجلس النواب. لهذا تفاوتت ردود الفعل المحلية، في شدّتها وعصبيّتها بين لغة التحذير الذي عبّر عنها بيان أعلى مرجعية مسيحية، إلى لغة الإدانة التي شملت مجتمع اللجوء الفلسطيني برمته، باعتباره المفجّر الرئيس للتناقضات اللبنانية الداخلية حسب ما ورد في بعض التصريحات الانفعالية.
أما الأطراف المتضامنة مع محور الممانعة من الطوائف اللبنانية، لم تستطع الدفاع عن خطوة إعلان حماس تشكيلها الجديد، لما حملت مبادرتها من شحنة ارتداديّة ربطّتْ الموقف من حماس بالعداء لحزب الله من دون أي فصل بينهما.
ولاحتواء هذه الموجة الاعتراضية الواسعة، أصدرت قيادة "حماس" في لبنان بيانات وتصريحات توّضح "نواياها" وتؤكد على أن هذا التشكيل ليس عسكرياً إلا أنها لم تنجح في تهدئة السجّال الدائر خاصة ان جوهر التوضيح لا يحمل إلا عبارات تطميّن انشائية تُفيد بأن هذا التشكيل ليس إلا جهاز شبابي يحاكي "فرقة الكشاف" المدرسية!!
في نقد سياسة المصالحة:
إن إطلاق "طلائع طوفان الأقصى" فتح النقاش أيضاً حول صدّقية السياسة الفلسطينية في لبنان بعد عودة العلاقات الرسمية والدبلوماسية المباشرة في عام 2005 بين الشرعيتين، من دون وصاية سورية.
وتم بموجبها إعادة افتتاح ممثلية منظمة التحرير في بيروت، قبل أن تصبح بمنزلة سفارة لاحقاً. وترافق مع تلك الخطوة تصويب نقدي للسياسة الفلسطينية تجاه لبنان الدولة والشعب على قاعدة الالتزام بعلاقات تستند للقانون الدولي واحترام السيادة اللبنانية على أراضيها وأولها المخيمات الفلسطينية، وفي هذا المجال شهدت العلاقات الثنائية الرسمية تفاهمات حول السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، تفاهمات تستجيب لمتطلبات الدولة اللبنانية وسياستها تجاه تطبيق القرارات الأممية ذات الصلة (قرار 1559) وقرار (1701) لاحقاً، الذي تم بموجبه وقف إطلاق النار في حرب تموز عام 2006. وتفويض الجيش اللبناني "واليونيفيل" بتطبيق مضمونه.
تلك التفاهمات وثقّها البند الرابع من "إعلان فلسطين في لبنان" وجاء فيه (نعلن ان السلاح الفلسطيني في لبنان، ينبغي أن يخضع لسيادة الدولة اللبنانية، وقوانينها، وفقاً لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني الذي تعرّفه وترعاه السلطات الشرعية، وفي هذا السبيل نعلن استعدادنا الكامل والفوري للتفاهم مع الحكومة اللبنانية، على قاعدة أن أمن الانسان الفلسطيني في لبنان هو جزء من أمن المواطن اللبناني...).
إلا أن هذه المقاربة الرسمية، اعترضتها مقاربة محور الممانعة بشقيه الفلسطيني واللبناني، الداعية للتمسك بالسلاح حتى انجاز حق العودة، وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر!!
لقد جاء إطلاق "حماس" لتشكيلها الجديد يعكس قصوراً سياسياً وعدم مراعاة لخصائص المجتمع اللبناني، الذي يحتدم داخله الجدل الآن حول تطبيق القرار 1701 ودعوة حزب الله إلى الانسحاب شمالاً، وتفعيل دور الجيش و"اليونيفيل" على الحدود الجنوبية.
إن قيادة حماس معنية بمشكلات الدولة المضيفة، ولا يمكنها رسم سياساتها بما يخدم مصالحها، لأن في ذلك ضرراً للشعبين اللبناني والفلسطيني فهل تقدم على التراجع عن خطوتها هذه، حتى لا ينظر للفلسطيني في لبنان على أنه عامل تفجير للصراعات بعد أن أعلن انسحابه من الشأن الداخلي اللبناني، وأنشد النضال السلمي في سبيل حق العودة والحياة الكريمة.