جنوب إفريقيا تفتح الباب على مصراعيه أمام الضعفاء لمحاكمة الأقوياء، حيث لن تقف الأمور عند مقاضاة إسرائيل، فكثيرة هي دول الاستعمار التي اقترفت جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية التي مارست الإبادة في كثير من الدول على سبيل المثال نيكاراغوا غرينادا وبنما وكوبا في أمريكا اللاتينية، كما مارستها في كل من العراق وأفغانستان، واليابان والفيتنام وكمبوديا على سبيل المثال لا الحصر.
أمّا فيما يخص جريمة الإبادة الجماعية التي تداعت فيها كل من ألمانيا وناميبيا للوقوف على النقيض حيث تدافع ألمانيا عن إسرائيل، بينما تدافع ناميبيا عن فلسطين فللقصة جذور وأسباب تخص كل منهما، حيث هناك عاملين دفعا ناميبيا إلى الانضمام إلى جنوب إفريقيا في الدعوى المقامة على إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، العامل الأول هو الدفاع عن الشعب الفلسطيني من موقف مبدأي. والعامل الثاني هو الانتصار لشعوب ناميبيا التي تعرضت لإبادة جماعية على يد المستعمرين الألمان حيث
أكدت الأمم المتحدة في تقرير ويتاكر التابع لها على أن إبادة ما يزيد على مئتي ألف 200000 رجل من أهل ما يعرف اليوم بناميبيا عام 1904هي أول ابادة جماعية في القرن العشرين والتي جاءت بأمر من الامبراطور الألماني فيلهلم الثاني.(أمّا النساء فتركن لمتعة المستعمرين ولإنجاب عرق خليط أسمى من العرق الإفريقي) من شعوب جنوب غرب أفريقيا (هيريرو، ناما، والبوشمن) علماً أن الحكومة الألمانية اعترفت بالحادثة واعتذرت عنها، لكنها استبعدت جبر الضرر لأحفاد الضحايا.
في يوليو 2015 وصفت الحكومة الألمانية والمتحدث باسم البوندستاغ الحادثة رسميًا بأنها «إبادة جماعية نتيجة القتل المباشر والتجويع أي القتل البطيء». ومع ذلك أصروا على رفض النظر في جبر الضرر. على الرغم من ذلك، أرجعت الدفعة الأخيرة من الجماجم والبقايا الأخرى من رجال القبائل المذبوحين والتي سبق ونُقلت إلى ألمانيا لتعزيز التفوق العرقي.
أُرسلت إلى ناميبيا في عام 2018، مع بترا بوس هوبر، وهي أسقف بروتستانتية ألمانية، والتي وصفت الحدث بأنه الإبادة الجماعية الأولى في القرن العشرين.
أما مبررات ألمانيا في الإسراع في الانضمام لفريق الدفاع عن إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية فله أسباب عامة كثيرة أهمها محاولة ضمان استمرار هيمنة القطب الواحد الذي تتزعمه الولايات المتحدة الامريكية، أما الأسباب الخاصة والتي تخشاها ألمانيا فهي مرتبطة بالكثير من جرائم الإبادة التي اقترفتها ألمانيا النازية والتي لا زالت تدفع ثمن أحدها (الهولوكوست) مليارات الدولارات مضافاً إليها كل التغييرات التي خضعت لها ألمانيا في حينة من تعديل الدستور والمناهج وتحول جدي في السلطات الثلاث مضافاً إليها الإعلام الذي يعرّف مجازاً بالسلطة الرابعة. ومن أجل ذلك وكخطوة استباقية سارعت في الانضمام إلى فريق الدفاع عن إسرائيل.
فإن نجحت جنوب إفريقيا في الحصول على قرار احترازي كبداية، إلى حين النطق بحكم قضائي وبغض النظر عن مضمونه فإن ذلك سيفتح شهية روسيا الإتحادية كحد أدني لمقاضاة ألمانيا على الجرائم التي ارتكبتها على الأراضي الروسية إبان الحرب العالمية الثانية، وربما تنضم دول كثيرة إلى المقاضاة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل ساهمت عام 1949 في تثبيت جريمة الإبادة الجماعية ولم تكن تعلم أنها يوماً ما ستمثل كمتهم أمام تلك المحكمة لمقاضاتها على نفس الجريمة التي قاضت بموجبها ألمانيا.