التوترات الجيوسياسية والجيواستراتيجية بين القوى العظمى بلغت ذروتها، العالم في مأزق والوضع الدولي الأكثر تقلباً، تخبط وفوضى واضطرابات وما لها من تداعيات على العالم وتهديد لأمن الطاقة والأمن الغذائي والأمن الاقتصادي من زيادة التضخم وتراجع النمو وارتفاع الأسعار والأوبئة من دون رؤية واضحة أو تعاون لإنهاء الصراع وانقاذ العالم والمحافظة على السلم والأمن الدوليين، بل القراءات تؤكد على التصعيد ونشوب حرب عالمية ثالثة قد تكون نووية، محاولات بعض الدول للدخول إلى النادي النووي بعد اخفاقات الأمم المتحدة من تقليص وحظر التسلح النووي مما يعني مزيد من الخطر، يؤكده كلاوس شواب مؤسس منتدى بدافوس: "لقد وصل جيلنا إلى نقطة تحول في مواجهة مشاكل وجودية حقيقية كتغير المناخ، واستغلال الطبيعة، والحوادث النووية المحتملة، وحتى الحروب، والفقر المدقع والعنف".
الأحداث تتسارع ما دمنا نعيش زمن ترمب ونتنياهو، ولا ندري من بطلها ترمب أم نتنياهو، وهل يتبارى الاثنين؟!، أو التطرف اليميني في العالم الذي يسعى إلى اشعال الصراعات، وفرض الهيمنة بأسلوب البلطجة، متجاهلاً الأعراف الدولية، كيف لدولة تتجرأ على قرارات دولية والالتفاف على قواعد القانون الدولي، ومعاقبة قضاة لمعاداة السامية!، إسرائيل ترتكب جرائم حرب ضد الانسانية، جرائم ابادة جماعية، مجاعة، بموجب قرارات صادرة عن محكمة الجنايات الدولية، والمذبحة في غزة لا تعني أحد، أين هي غزة الآن؟، لا أثر لغزة، ولا لأي دولة فلسطينية، وماذا يحدث الآن يتم احتلال غزة، واحتلال الجنوب السوري واللبناني، مناورات إسرائيلية قطرية، بعد فضيحة قطر غيت، أمراً مثيراً للجدل بعد أن كانت قطر شريكاً أساسياً في ملف الوساطة لوقف اطلاق النار في غزة، في المجر يستقبل نتنياهو كبطل وليس مجرم، ويعلق رئيسها اوربان عضوية بلاده من محكمة الجنايات الدولية!، ودول أخرى تبدي رغبتها في استقباله.
والامبراطور ترمب يبلغنا ببداية العصر الذهبي، وانتهاء المرحلة المظلمة من تاريخ أمريكا، ولكننا نرى بداية الانحدار والجحيم، ونرى الزلزال، وأي زلزال يضرب أمريكا الآن، وإلى أين يأخذ ترمب وادارته، وأيضاُ أمريكا، ستجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها تدفع فاتورة أزمات النظام السياسي وما تفرزه من سياسيين يتصفون بسوء التقدير والتهور والتضليل، بدأتها ادارة بايدن، واستمرت بترمب وادارته. يقول شارل ديغول "المهم أن نكون حاضرين"، هناك رؤساء يريدون تخليد أسمائهم في التاريخ عندما تكون الظروف مواتية"، بخطابات فقط، وظهور اعلامي.
الأزمات الاقتصادية، وأزمات الطاقة تدفع الدول الكبرى لإيجاد حلول تكون لمصالح خاصة جداً تزيد الأغنياء غِناً والفُقراء فُقراً، وتكون غالباً عبر الحروب والهيمنة الاقتصادية والتوسع والضم للسيطرة على مقدرات العالم، فتزيد من مخاطر الركود الاقتصادي وضائقة الديون وأزمة تكلفة المعيشة المستمرة وربما تسبب بحرب جيواقتصادية، أعلنها الامبراطور ترمب، ووضع العالم أمام الطوفان الأمريكي حرب اقتصادية على الحلفاء والأعداء، بعد اعطاء أوامره بعملية جباية وسطو على الصناديق السيادية للدول وفرض تعريفات جمركية عقابية على منتجات الدول الأجنبية، تتفات وتتناسب طردياً مع حجم العجز التجاري ونسبته مع حجم التبادلات التجارية لكل دولة على حدا لكي يخنقها ويخنق حلفائه, وباستطاعة المنتجات الأمريكية أن تصل إلى كل أسواق الدنيا التي يفترض أن تكون السوق الكبرى للإمبراطورية، هواجس ترمب لتجاوز العجز في الميزان التجاري الأمريكي والذي تجاوز التريليون والمديونية العالية التي بلغت 36تريليون، جعلته أكثر عدوانية فقرر قلب الطاولة على الجميع، انها الضربة الأمريكية، اشعال الحرب التجارية بينه وبين العالم، والحرب تضر بالجميع، ولكن ماذا لوكان الرد بالمثل واتخاذ تدابير انتقامية مضادة، وزير الخزانة الأمريكي يقول "ان صعدوا، صعدنا"!!.
فرض الرسوم تعني انتهاء عصر العولمة والعودة إلى سياسة الحمائية وتعني انتكاسة خطيرة للسياسات الاقتصادية وضربة موجعة للتجارة الحرة، يوم أسود سيسجل في تاريخ الاقتصاد العالمي، ويحذر من الاستعادة الكارثية لأزمة حقبة ثلاثينات القرن الماضي التي شهدت فترة الكساد العظيم بعد جملة التعريفات الكبيرة التي فٌرضت، ثم أعادت أمريكا وصححت التعريفات في عام 1947 بعد الحرب العالمية الثانية، من أجل ترويج التجارة الحرة واستمر الوضع حتى عام 2016 عندما بدأ ترمب بفرض رسوم جمركية استهدفت سلع معينة لدول معينة، والحرب التجارية مع الصين بداها ترمب منذ ولايته الأولى، والصين ترد بالمثل.
قرارات لا تتوافق مع قواعد التجارية العالمية، هناك دول تضررت بشكل كبير، بعد أن شهدت الأسواق المالية انخفاضاً حاداً في أسعار النفط والعملات والأسهم، وانخفاضات في الأسواق الأسيوية، اليابان كان لها الحصة الأكبر من الخسائر، الصين والهند والمكسيك وكندا ودول أخرى تضررت منها، والأوروبيون الذين يعانون في غالبيتهم من أوضاع اقتصادية هشة، الرد سيكون حتمي اذا دخلت جيز التنفيذ، ولكن هناك مفاوضات ما وراء الكواليس لإيجاد حلول وسط، تخشى أمريكا من توافق بين الكتل الاقتصادية للرد على هذه الاجراءات، الاتحاد الأوربي 27 دولة بسوق قوي جداً يفترض رده ككتلة، ولكن ترمب وتيارات اليمين المتطرف في أوروبا تسعى إلى تقويض وشق صفوف الاتحاد الأوربي من خلال فرض رسوم مختلفة 20% وعلى صناعة السيارات 25% وهنا يقصد الاقتصاد الالماني على نحو خاص، "السوق الأمريكي يعتبر الأول بالنسبة للصناعات الالمانية، والصناعات الفرنسية"، والتي ستتخذ قرارات المعاملة بالمثل ضمن كتلة الاتحاد الأوربي "مما يعزز وحدة الاتحاد"، وخاصة على الخدمات الرقمية والتي سجلت خسائر كبيرة جداً.
العصر الذهبي سيعود لأمريكا لإنعاش الاقتصاد!! لكن ما يعيشه الأمريكي اليوم حالة من الذعر والقلق يفشل مشروع ترمب، الاقتصاد كان يتعافى في بداية ولايته، لكن بعد ثلاثة أسابيع بدأت الأسواق المالية تتراجع واليوم في حالة سيئة جداً، أغلقت الأسواق المالية الكبرى بانخفاض كبير، وبمؤشرات خطيرة، الأسواق في حالة اضطراب، وحالة من عدم اليقين والشك لما هو مقبل، السوق الأمريكي ضخم جداً والتغييرات تستغرق وقت حتى تظهر جلياً، ولكنها على مستوى المواطن البسيط انخفاض حاد في قدرته الشرائية، قد تكون أثراً بالغاً للمواطن الذي سيصوت بعد عاميين في الانتخابات النصفية وسيتأثر بشكل كبير بما تمر به البلاد، الحزب الجمهوري التقليدي يدعو إلى حرية التجارة وليس فرض ضرائب وتعريفات جمركية عالية، حزب يتبع سياسات منذ نصف قرن بعكس ما يريده ترمب الذي يسعى للخلود، هزة مؤقتة للاقتصاد الدولي ويتراجع ترمب كعادته ولكن بعد خسائر أمريكية وأوربية كبيرة سيدفعها فقراء العالم كالعادة، ففي الحلبة لاعب واحد يثير الرعب والمخاوف على العالم الذي يستحق الأفضل.