في ظل وضع إنساني مأساوي يعيشه قطاع غزة، وتصاعد مستمر في الغارات والعمليات العسكرية الإسرائيلية، أعلنت الرئاسة المصرية عن قمة ثلاثية مرتقبة في القاهرة تجمع الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وذلك خلال زيارة ماكرون الرسمية إلى مصر يومي 7 و8 إبريل الجاري.
تأتي هذه القمة في لحظة مفصلية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث فشلت حتى الآن معظم المبادرات الدولية في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وسط تفاقم الكارثة الإنسانية داخل القطاع، ما يجعل هذا اللقاء السياسي رفيع المستوى بارقة أمل حقيقية للخروج من المأزق الراهن الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في غزة.
مصر في قلب التحرك السياسي والإنساني
منذ بداية العدوان الإسرائيلي، تبنت مصر موقفاً واضحاً حازماً، يقوم على الرفض الكامل لعمليات التهجير التي تم الترويج لها من قبل الاحتلال والإدارة الأمريكية، وحذرت القيادة السياسية من أية محاولات لدفع سكان القطاع نحو الحدود المصرية، باعتبار ذلك خطاً أحمر يمس الأمن القومي ويسيء إلى حقوق الشعب الفلسطيني.
وفي ضوء ذلك، تعمل القاهرة بشكل متواصل وبأدوات سياسية ودبلوماسية متنوعة على تحقيق تهدئة عاجلة ووقف شامل لإطلاق النار، وفتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات، خاصة عبر معبر رفح، الذي تضع مصر كل إمكاناتها من أجل إعادة افتتاحه، رغم التحديات الميدانية.
وترى مصر أن وقف الحرب ليس نهاية الطريق، بل بدايته، حيث لا بد أن تليه عملية إعادة إعمار شاملة لقطاع غزة، بمشاركة دولية وإشراف مصري مباشر دون تهجير للفلسطينيين، وهو ما تحضر له القاهرة من خلال استضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار القطاع، ووضع الخطة العربية المتكاملة التي أقرتها القمة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير الفلسطينيين، والتي تعالج آثار الحرب، وتؤسس لاستقرار اقتصادي وإنساني طويل الأمد، مع فتح أفق سياسي لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
فرنسا من التصريحات إلى الحضور الميداني
زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى مدينة العريش في إطار زيارته إلى مصر، تمثل نقلة نوعية في الموقف الفرنسي، إذ سيعاين ماكرون ميدانياً سير عمليات إيصال المساعدات، ويلتقي ممثلين عن منظمات إنسانية، وهو ما يشير إلى تحول باريس من مربع البيانات الدبلوماسية إلى دعم الجهود الفعلية لاحتواء الأزمة.
وبحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، وعلاقاتها مع كافة الأطراف، تلعب فرنسا دوراً مهماً في التوصل إلى التهدئة، والعمل على تفعيل المسار السياسي الدولي، وخاصة إعادة التأكيد على حل الدولتين كمرجعية لا بديل عنها لإنهاء الصراع بشكل عادل ودائم.
الأردن موقف ثابت ورؤية إقليمية واضحة
من جانبه، يؤكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مجدداً، خلال مشاركته في القمة، أن التهديدات بتهجير سكان غزة تمس استقرار الأردن بشكل مباشر، وأن الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ليست فقط حقا للفلسطينيين، بل ضمانة لاستقرار المنطقة بأكملها.
ويرتبط الأردن ارتباطا وثيقاً بالضفة الغربية والقدس، من خلال وصايته على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ما يجعل له دوراً لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية مستقبلية.
القمة الثلاثية أهداف واضحة وطموحات مشروعة
تحمل القمة الثلاثية في القاهرة أهدافاً مباشرة وعملية، على رأسها التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن، ومنع تصعيد جديد، وتأمين ممرات آمنة ومنظمة للمساعدات الإنسانية تحت إشراف عربي دولي، وإطلاق تحرك سياسي جاد يعيد التأكيد على حل الدولتين كخيار استراتيجي لا بديل عنه، ووضع إطار دولي متماسك لإعادة إعمار غزة بمشاركة عربية وغربية دون تهجير للشعب الفلسطيني.
في الختام
تظهر قمة القاهرة الثلاثية أن مصر ما زالت تتحرك بثقلها التاريخي والإقليمي في أخطر ملفات الشرق الأوسط، وأن التعاون مع شركاء مثل فرنسا والأردن يمكن أن يشكل رافعة حقيقية لجهد دولي منسق، هدفه ليس فقط وقف الحرب، بل إعادة الاعتبار للعدالة والشرعية والكرامة الإنسانية في فلسطين.
هذه القمة ليست لقاء بروتوكولياً، بل خطوة استراتيجية لإعادة بناء السياسة من ركام الحرب، وتأسيس أمل جديد في منطقة أرهقتها الأزمات، لكنها لم تفقد قدرتها على انتاج المبادرات والمواقف المسؤولة.
نائب رئيس تحرير
وكالة أنباء الشرق الأوسط
والمتخصص في الشأن الفلسطيني