مسرحية ترمب وقطته الأليفة

 

 

 

لم أندم على الوقت الذي قضيته في انتظار إطلالة الرئيس ترمب، وضيفه الذي استدعاه على عجل بنيامين نتنياهو.

ذلك أن الترويج المسبق لأهمية لقاء الاثنين وحشر غزة في جدول أعماله، ضاعف من رغبتي في المتابعة، لعلني ألتقط جملةً تشجع على بعض تفاؤل نحتاجه لفتح ثغرة في الإغلاق المحكم الذي فرضه ترمب على غزة، مطلقاً يد نتنياهو فيها ليفتح أبواب الجحيم على كل كائن حي وغير حي فيها.

شاهدت على مدى ساعة مسرحية أدى فيها الرئيس دونالد ترمب دوراً ذا طابع مشوق، فقد أفادنا بنجاحه في خفض سعر البيض للمستهلك الأمريكي، ونوّرنا بأهمية الفحم النظيف الذي تنتجه بلاده ولكنه مظلوم بفعل عدم تقدير كفاءته في الصناعة العالمية، وقدّم تقريراً تفصيلياً وبالأرقام حول السيارات الأمريكية الفاخرة، التي تتعرض لهجمة من قبل السيارات الآسيوية والأوربية، وتتفوق عليها داخل أمريكا ذاتها وفي كل الأسواق.

وبعد أن فرغ من سرد هذه المعلومات "القيّمة" عن البيض والفحم والسيارات وغيرها من أمور مشابهة، ألقى قنبلته التي اعتبرت أهم ما ورد في مؤتمره الصحافي الذي أُلغي وأعيد بثه لمجرد التشويق، حيث أعلن أنه نقل المفاوضات مع إيران من غير المباشرة إلى المباشرة، وحدد موعداً لبدايتها وهو يوم السبت القادم.

جاء هذا الإعلان الذي لا ينطوي على جديد بما في ذلك خفض لغة التهديد والوعيد، لمصلحة رفع وتيرة لغة الاغراء والاستدراج، جاء إعلانه القنبلة لتزويد عشّاق الإثارة من محللي الفضائيات بمادة للحديث عنها كما لو أنها انقلاب في الموقف الأمريكي، وقرينة على تضليل إيران بشأن طبيعة علاقتها بأمريكا!

بدت غزة التي ظن كثيرون بأنها ستحظى بما تستحق من اهتمام، بدت كما لو أنها مجرد فاصلة بين الرسوم الجمركية والشأن الإيراني وحكاية البيض والفحم والسيارات، صحيح أن الرئيس ترمب أشار إلى أهمية انتهاء الحرب عليها، ولكنه باعها كعقار واستغرب كيف فرّطت إسرائيل بالسيطرة عليها أيام انسحاب شارون منها، ومن أجل إمعانه في خطأه الجسيم حول غزة، أشاد بسياسة نتنياهو تجاهها واعتبره الرجل الحكيم صاحب الخطوات الصحيحة.

لا جديد في مضمون كل شيء تحدث به ترمب، وحتى لو تمت صفقة الحل الوسط التي يجري الحديث عنها فالرئيس الأمريكي منشغل بأمور أخرى، ولا بأس في أن ينجح ويتكوف بإنجاز جزء من الصفقة التي عطلها الرئيس بمزاج وها هو يستأنفها بمزاج أيضاً.

المثير الذي لفت الانتباه كثيراً مع أنه تحصيل حاصل، هو مكانة نتنياهو في المشهد الذي كان وفق لغة السينمائيين مجرد كومبارس في فيلم ترمبي طويل، ولكن الأدق من هذا الوصف هو وضعه من قبل سيده ترمب في مكانه الصحيح ففي رحلة الذهاب إلى واشنطن أظهر نفسه كنمر يفترس غزة والشرق الأوسط، وحين وصل إلى البيت الأبيض، جرى التعامل معه وتعامله مع نفسه كقطة أليفة تجلس بين أقدام السيد الكبير الذي يمارس هوايته في إلقاء الفتات لقطته الأليفة كي تتباهى شاكرة لما يقدم لها من فتات.

الجديد الذي لمسته من مشهد ترمب وقطته الأليفة هو اللا جديد في كل شيء.

 

 

 

 

 

Loading...