مقالات مختارة

إنجازات الحرب تتآكل في ضوء إصرار نتنياهو على مواصلة القتال | ميخائيل ميلشتاين

 

 

 

 

 

أسبوع عادي في إسرائيل. في مركزه الثنائي «قطر غيت» والأزمة بين الحكومة ورئيس «الشاباك»، فيما في الخلفية «الروتين» ذاته: استمرار الحرب في غزة، التي سيطر في أثنائها الجيش الإسرائيلي منذ الآن على ثلث أراضي القطاع (حتى الآن بلا مؤشرات تنازل أو استسلام من جانب «حماس»)، واتساع الهجمات في سورية، في ظل تشديد النبرات تجاه تركيا، ونار الصواريخ من اليمن، وهجمات في لبنان، ومواجهات في الضفة، وتحفز لهجوم في ايران.
أصبحت الحرب معطى دائماً في إسرائيل، ومن ناحية أصحاب القرار هي الجواب على السؤال المتواصل: ما هي الاستراتيجية في الواقع؟ القيادة ذاتها التي خلقت مفهوم 7 تشرين الأول، الذي استند الى الاحتواء، السلام الاقتصادي، وإدارة النزاعات قررت انعطافة حادة تعرض بمثابة «درس» من الإخفاق الذي تفجر قبل 18 شهراً: حفظ المواجهة دون تحديد غاية واضحة او إطار زمني. يدور الحديث عن عناد مبدئي بعدم تطوير استراتيجية، ضمن أمور أخرى، انطلاقا من الفهم بان مجرد البحث سيرفع الى السطح معضلات حادة، ويستوجب قرارات حاسمة تضعضع سلامة الائتلاف.
وعندما لا تكون هناك استراتيجية ينثرون الخيالات: يستند النصر المطلق في غزة الى فرضية ان مزيداً من القوة سيؤدي الى تليين «حماس»، وانه تظهر في كل الوقت «مؤشرات انكسار» للمنظمة، والايمان الثابت في أن خطة ترامب حول غزة قابلة للتحقق، رغم أنه لا توجد أي دولة مستعدة لتتعاون معها، وواشنطن نفسها تفقد الاهتمام بها، وان ننجح من خلال قصف وتفريغ مخيمات اللاجئين في الضفة في ان نقتلع من وعي الفلسطينيين ذكرى اللجوء، ونحقق إعادة تموضعهم، واننا في الطريق الى تصميم شرق أوسط جديد، اكثر استقراراً ووداً تجاه إسرائيل.
يقوم انعدام الاستراتيجية الإسرائيلية على أساس عنصر جديد – قديم: الاستيلاء على الأراضي: غزة وسورية وبشكل أكثر محدودية لبنان أيضا، وهو يجسد المفهوم الجديد: «العرب لا يفهمون الا عندما تأخذ منهم ارضا». كل هذا في ظل تجاهل دروس التاريخ، مثل حرب 1967 الذي اثبت بان احتلال الأرض لا يؤدي الى الردع.
في الخلفية يتعزز الاشتباه في أن دوافع أيديولوجية – دينية حول وحدة البلاد تتخفى بشكل مبرر امني – استراتيجي، مثلما يظهر بشكل واضح في إعلانات قادة الصهيونية الدينية، وعلى رأسهم الوزير سموتريتش، الذي سبق أن أوضح بأن هدفه هو تغيير الـ DNA لمناطق الضفة، وأنه متحفز لاقرار أميركي لضم أراض في المنطقة.
من خلف السِمحة الواثقة يختبئ انعدام فهم عميق للعدو والمحيط: استخفاف عميق بحماس، حزب الله والإيرانيين الذين وان كانوا تعرضوا لضربات قاسية لكنهم نجوا؛ سوء فهم للجوهر والمنطق الأساسي لديهم، وغير مرة احتواء مفهوم عسكري كلاسيكي عن الصراع ضدهم، او الافتراض بانه يمكن تحقيق التطبيع مع العالم العربي وبخاصة السعودية، رغم أن هذه توضح بلا انقطاع بان الامر لن يتحقق الا اذا جرى حوار سياسي مع الفلسطينيين والتخلي عن فكرة افراغ القطاع.
يبدو أن الإنجازات الاستراتيجية الدراماتيكية، التي حققتها إسرائيل قبل نحو نصف سنة، تتآكل في ضوء إصرارها على مواصلة القتال دون أن تعرض بالتوازي استراتيجية واضحة ورؤيا للمستقبل.
كل هذه الدراما تجري بلا حوار بين الجمهور والقيادة التي تتعاطى مع الهزات الأرضية التي تخطط لها كـ «سر»، وكأن الحديث يدور عن عملية كوماندو سرية وليس عن تحولات ستؤثر على مدى السنين. في المركز توجد بالطبع إمكانية أن تتقدم إسرائيل الى احتلال القطاع، ما سيلزم بتخصيص مقدرات هائلة. كل هذا، دون اجماع داخلي على الخطوة ودون شرح اثمان مثل هذه الخطوة للاسرائيليين، بما في ذلك التنازل عن المخطوفين، الذين من غير المعقول أن يتحرروا خلال حرب إبادة في القطاع.
هذه المهمة لا يمكنها أن تتم على ايدي قيادة كانت مسؤولة عن 7 تشرين الأول، وليس واضحاً كم من بقايا المفهوم اقتلعت من عقولها، والتي يصعب عليها نيل الـتأييد من البيت، كما تكشف الاستطلاعات التي تجري في أوساط منظومة الاحتياط ووجود انطباع دائم بأن دوافع البقاء السياسي هي الموجه لخطواتها.
في الحرب العالمية الثانية أدار تشرتشل حوارا صادقا ومباشرا مع شعبه ووعد بـ «الدم، العرق، والدموع». نوصي القيادة في إسرائيل، التي تنتظر مدى التضحية الجماهيرية الأعلى الذي انكشف بعد 7 تشرين الأول ان تتخذ شفافية مشابهة: ان تهجر الشعارات والخيالات التي توقع ضرراً جسيماً، وتعرض هدفا استراتيجيا في كل ساحة. الجمهور من جهته ملزم بان يوضح – كدرس مركزي من 7 تشرين الأول – بأنه لم يعد «يشتري» الحجة التي تقول ان «الحكماء هناك يعرفون ما يفعلونه»، وان يطالب بتفسير دقيق لخطوات الحاضر واهداف المستقبل.

عن «يديعوت»

 

 

 

 

 

 

Loading...