مقالات مختارة

صار وقت نزع سلاح "حزب الله"؟ | أحمد الأيوبي

 

 

 

 

من يستعرض تصاريح قيادات «حزب الله» عن استعادة القدرات وإعادة تنظيم الصفوف يعتقد أنّ «الحزب» قد عاد أقوى مما كان بوجود قياداته التاريخية وقبل مصرع خمسة آلاف من عناصره بتفجيرات «البيجر» واللاسلكي والأحذية المفخّخة.. وبعد تدمير أغلب مصانعه ومخازنه، وبعد انكفائه إلى شمال نهر الليطاني بحكم الأمر الواقع، يدرك أنّ قيادة «حزب الله» تتعامل مع اللبنانيين بانفصامٍ فاضح وانفصال واضح عن الواقع، وتُعَبِّئُ قاعدتها الشعبية بأوهام القوة التي طالما حقنتها بها على مدى العقود الماضية، من دون الاعتراف بكلّ المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، التي تؤدّي حكماً إلى أفول نجم «الحزب» وانتهاء أدواره العسكرية والأمنية الإقليمية والداخلية، فهو لم يعد يخيف معارضيه وقد انكسر هلاله في سوريا وبات مستحيلاً عليه استكمال أدواره في اليمن والعراق.

تكذب قيادة «الحزب» على جمهورها في ما تطلقه من خطابات، سواء في ما يتعلّق باستعادة القدرات والقوى، أو في ما يتعلق بأوهام إعادة الإعمار، وتكذب قيادة «الحزب» في طرحها الحوار حول سلاحها وهذا مسارٌ جرّبه اللبنانيون في جلسات الحوار، وكانت نتيجته نجاح «الحزب» في خداع الجميع والعودة للانقضاض على الداخل.

ولفهم العقلية الإيرانية في التعامل مع سيادة الدولة، علينا أن ننظر إلى فرض تشريع ما يسمى «الحشد الشعبي / الشيعي» في العراق، حيث فرضت طهران إدماجه في القوات المسلحة مع إبقاء استقلالية قراره الميداني والعسكري والسياسي، وفي هذا انتقاص مكشوف من سيادة الدولة.

ما زال «حزب الله» وإيران يمتلكان ترسانة لم تُستخدم من الصواريخ الذكية والباليستية على الأراضي اللبنانية يديرها مئات الضباط والعناصر من الحرس الثوري الإيراني الذين يجسدون الاحتلال الإيراني للبنان، ولا يمكن تحقيق وقفٍ لإطلاق النار ما دامت هذه الصواريخ الإيرانية ومشغِّلوها موجودين على الأراضي اللبنانية، وهذا جزء هام من عمليات التفاوض الجارية.

وهنا ينبغي أن تستعيد إيران صواريخها وضباطها أو أن تصادرها الدولة اللبنانية، وهذا مستبعَد، أو أن تقوم إسرائيل بقصفها وتدميرها، وهذا سيأتي في إطار تدمير أوسع لكل ما تبقى من سلاح لدى «الحزب»، إذا استمرت قيادته في الكذب والمناورة وتجاهل المخاطر المحدقة بلبنان.

إنّ استمرار قيادة «حزب الله» في سلوك الكذب ومراهنتها على ضغطٍ فرنسي لصالحها من هنا، ومناوراتٍ داخلية من هناك، والتهديدات الفارغة بقلب الطاولة على الجميع في الداخل لن تجدي نفعاً، فـ «الحزب» لم يعد سوى فزاعة اكتشف الجميع أنّها فقدت صلاحيتها، ويبدو أنّ من تبقى من الحزب يهوى الانتحار السياسي بدل استنقاذ ما يمكن إنقاذه، أم أنّ إيران تدفع بمن تبقى من ميليشياتها نحو الهاوية حمايةً لها مما يمكن أن يطال رأس المشروع الصفوي في زمن الجموح الترامبي غير المحدود؟

جرت محاولات للتضليل بشأن الموقف الأميركي وبأنّ المبعوثة الاميركية مورغان أورتاغوس لم تطرح توقيت نزع السلاح، فجاء تصريحها الحاسم عندما قالت: «نحن دائماً نطرح موضوع سلاح «حزب الله» وجميع الميليشيات في البلد. الرئيس عون قال بوضوح في خطاب القسم إنّه يريد أن تحتكر الدولة القوة المسلحة، وأن تكون الدولة هي الجهة الوحيدة التي تمتلك السلاح وهذا موقف نؤيده. لذلك نحن نستمر بالضغط على هذه الحكومة لتطبيقٍ كامل لوقف الأعمال العدائية، وهذا يشمل نزع سلاح «حزب الله» وجميع الميليشيات.. في أسرع وقتٍ ممكن».

يدرك الرئيسان جوزاف عون ونواف سلام أنّ «حزب الله» الآن في أضعف حالاته وأنّه لم يستطع فعلياً استعادة قواه، وأنّ هذه هي اللحظة المناسبة لفرض سلطة الدولة قبل أن يتمكن «الحزب» من العودة، كما سبق أن فعل بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحينها دخل لبنان الجحيم.

إنّ الرئيسين عون وسلام مطالَبان في ضوء هذا الموقف الدولي الواضح بأن يتجاوزا كلّ العراقيل الوهمية التي يضعها «الحزب»، من أجل الحفاظ على سلاحه وأن يضعا مع الحكومة وقيادة الجيش جدولاً زمنياً في أسرع وقت ممكن لوضع السلاح غير الشرعي تحت سلطة الدولة، ونزعه إذا اقتضى الأمر، قبل أن تضيع هذه الفرصة التي ربما تكون الأخيرة قبل خراب لبنان، فلا يجوز تعريض البلد لعقاب جماعي مدمِّر من أجل فئة من المغامرين المقامرين بمصير الوطن.

 

 

 

 

Loading...