عن لعنة العناد

 

 

 

 

يروق للبعض أن يعزو ما حل بنا من دمار وخراب وعودة للوراء إلى فشل مشروع اتفاق أوسلو، والبعض الآخر يرى في الانقسام الذي تكرس بعد انقلاب حركة «حماس» على السلطة الفلسطينية بداية التدهور الحقيقي في الساحة الفلسطينية، وهو ما قاد إلى ما نحن فيه الآن. وآخرون لا يرون أن ما حل بنا هو كارثة، بل هو أمر طبيعي تتعرض له الشعوب المقاومة للاحتلال. وهؤلاء يجرون مقارنات ومقاربات مع الشعوب التي دفعت ثمناً باهظاً للتحرير كالجزائر وغيرها، خاصة أن عدونا مجرم ولا يقيم وزناً لأي قواعد أو قوانين وأعراف دولية. فتعالوا بنا نحاول العودة للوراء لتسعينيات القرن الماضي ونقرأ بتمعن ما جرى في الساحة الفلسطينية.
نتيجة للانتفاضة الشعبية المجيدة في نهاية العام 1987، حقق الشعب الفلسطيني اعترافاً دولياً كبيراً بحقوقه المشروعة، خاصة حقه في تقرير المصير والاستقلال، خصوصاً بعد تبني برنامج السلام الفلسطيني وإعلان الاستقلال. ولا شك أن براغماتية وواقعية قيادة منظمة التحرير في ذلك الوقت كانت من أهم عوامل هذا الإنجاز الكبير، وبالذات بعد أن بدأت الولايات المتحدة حواراً مع منظمة التحرير في تونس، انتهى بتبني المنظمة لقرارات مجلس الأمن 242 و338، والإعلان عن نبذ العنف. الأمر الذي قاد إلى تغيير جوهري في الموقف الأميركي من اعتبار منظمة التحرير منظمة «إرهابية» إلى الاعتراف بشرعيتها ولاحقاً فتح مكتب لها في واشنطن، وانغماس الولايات المتحدة في العملية السياسية على أساس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران العام 1967.
اتفاق أوسلو الانتقالي كان نتيجة لتغير الموقف الأميركي وتغيير مواقف العديد من دول العالم التي رأت في المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وأيدت مطالب الفلسطينيين في الحرية والاستقلال. وهذا ما جعل الحكومة الإسرائيلية تسعى للاتفاق مع المنظمة. صحيح أن اتفاق أوسلو الذي لم تعلم به الدول العربية ولا حتى الولايات المتحدة حتى مراحل إتمامه لم يكن كاملاً وكانت به العديد من الثغرات، ولكنه يمثل اختراقاً كبيراً في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. فللمرة الأولى تعترف إسرائيل بمنظمة التحرير وتمنحها السلطة على الضفة الغربية وقطاع غزة. حتى لو كانت هذه السلطة محدودة ولا تشمل دولة في نهاية المطاف. ولكن الاتفاقية تنص على سيطرة الفلسطينيين على ما يزيد على 90% من المناطق الفلسطينية المحتلة ولا يستثنى من هذه السيطرة سوى المستوطنات القائمة في ذلك الوقت والتي لا تزيد مساحتها على 2% والمواقع العسكرية المحددة. وكان ينبغي التوصل لاتفاق دائم خلال 5 سنوات من بدء تطبيق الاتفاق.
وقد أتاح لنا الاتفاق أن نقيم السلطة الفلسطينية التي تشمل مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية. وتصرفنا تقريباً كدولة في كل شيء. وأقمنا المطار الجوي في غزة ووضعنا حجر الأساس للميناء البحري. وقمنا بالتنقيب عن الغاز وعقدنا الاتفاقات الدولية. وحتى نهاية العام 2000 كان لدينا الممر الآمن الذي يربط غزة بالضفة الغربية. فما الذي جرى حتى تنقلب أمورنا؟
إنها قمة كامب ديفيد بين الرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك. فقد فشلت القمة بسبب عرض باراك الذي لم يكن مقبولاً على الشهيد أبو عمار، فاستغل الأخير زيارة أرئيل شارون للحرم القدسي لإعلان انتفاضة مسلحة ضد إسرائيل، رغم أن المفاوضات لم تتوقف وجرت محاولة التوصل للاتفاق النهائي في محادثات طابا التي شهدت تقدماً جوهرياً بعد تدخل الرئيس الأميركي بيل كلينتون. ولكن مع استمرار الانتفاضة، خاصة استخدام السلاح، انقلب الرأي العام في إسرائيل ضدنا وفاز اليمين في الانتخابات. وقامت إسرائيل بتدمير السلطة والتراجع عن تطبيق «أوسلو». وحصل تغيير جوهري في الرأي العام الفلسطيني، وفازت «حماس» في الانتخابات العامة التي أجبرت عليها السلطة على الرغم من أنها أي «حماس» لم تحصل على أغلبية الأصوات. ودخلنا في مرحلة الصراع على السلطة.
انقلاب «حماس» كان الحدث الأكثر خطورة الذي تعرضت له القضية الفلسطينية؛ حيث تعاملت الحركة مع قطاع غزة كحصتها في الميراث حيث أن السلطة الشرعية التي تقودها «فتح» في الضفة وسلطة «حماس» في غزة. ومن يومها وغزة تدفع أثماناً باهظة. لأن «حماس» حاولت أن تلعب لعبة السلطة والمقاومة في نفس الوقت، وهو عملياً ما راق لإسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو الذي لم يكن يرغب يوماً في التوصل إلى تسوية تنهي الصراع، بل مارس إدارة للصراع ظناً منه أن هذا سيبقى تحت السيطرة، والنتيجة أننا وصلنا إلى السابع من أكتوبر وحرب الإبادة في غزة. ولا يزال موقف «حماس» من اعتبار غزة حصتها هو الذي يساهم في إطالة أمد الحرب وكل ما يترتب عليها من قتل ودمار وتخريب. والحقيقة التي لم يفهمها الكثيرون أننا منذ دخلنا في اتفاق أوسلو ومرحلة إنشاء الدولة لا يجوز لنا العودة للخلف لمرحلة الثورة. فإلى متى نبقى أسرى لهذا العناد ونبقى ندفع الثمن؟

 

 

 

 

Loading...